" لا. أبداً». قلتُ: " فإنَّ طب الروح والدين لا يقل عن الجسد. فحق الفتوى في الدين لعلماء أفنوا حياتهم في علومه وفي دراسة دقائقه وأسراره.
المشكلة أنَّ الساحة الإسلامية كثر فيها المُدَّعُون للاجتهاد، المُتَصَدُّون للفتوى بغير علم، الحريصون على اقتحام حصون الشريعة بتهوُّرٍ ودون مهابة، وبتبجُّجٍ دون حياء، وبغير زاد ولا سلاح، وتورَّعَ العالمون، وخافوا الاجتهاد وأكبروه، واستصغروا أنفسهم وعلمهم أمامه، هيبة وإجلالاً لأهله، وخوفاً من الله إذا هم أخطأوا، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (?).
خافوا أنْ يَصْدُقَ عليهم قول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْكِي عن آخر الزمان: «اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا» (?).
إن علماء الدين الذين يعرفون أنفسهم لا يتطاولون إلى الأئمة الذين خدموا الشريعة وأسَّسُوا فقهها وكانوا المنهل الذي اغترفوا منه، فهم لا بد أنْ يستنيروا بآرائهم وأنْ يقيسوا عليها ما يجد لهم في أطوار حياتهم.
إنَّ علماء القرون الأولى كانوا موسوعة علمية في التفسير والحديث وعلومهما وما يخدمهما من علم الأصول واللغة العربية ك نحوها وصرفها وبلاغتها وأصولها وأسرار عباراتها، أما نحن فقد شغلتنا أموالنا وأهلونا ومواقعنا في تيارات الحياة المتدافعة، فمع إيماننا بأنَّ هذه العلوم يخدم بعضها بعضاً قسمناها إلى تخصُّصات بل كليات مختلفة: كلية اللغة العربية وكلية الشريعة وكلية أصول الدين،