والنتيجة لكل ذلك ما صرَّحَ به صفحة «46» بقوله: «فما دام الرسول كان يجتهد، وعلم ذلك منه الصحابة، وكانوا يراجعونه أحياناً، ويُبدون رأياً آخر، وكان - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يتقبَّلُ بصدر رحب هذا الرأي الآخر، ويأخذ به، وما دام اجتهاده كان قائماً على القواعد الموجودة حتى الآن، وهادفاً إلى تحقيق المصلحة التي يراها في واقع الناس حوله. وما دام هذا الاجتهاد قد شمل الكثير من أنواع المعاملات في زمنه على ضوء الظروف التي كانت سائدة في أيامه. أفلا يجوز لمن يأتي بعده من أيام الصحابة وحتى الآن أنْ يُدْلي في الموضوع باجتهاده أيضا؟ ولو أدَّى اجتهاده إلى غير ما قرَّر الرسول باجتهاده؟».
وسنحاول إزاحة الغشاوة، وإزالة اللبس، وكشف الزيف، ودحض الشبهات.
أما الصنف الأول فذكر منه:
1 - مشورة الحُباب في بدر، وقد اخترنا فيما سبق أنَّ دراسة الأماكن وما يصلح منها لفن الحرب هو من شؤون الدنيا التي تترك لأهل الاختصاص. وليس فيها دلالة على المعاملات التي يقصدها.
2 - وذكر منه أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل عن رأيه في البقاء في المدينة (يوم أُحُدْ)، واستحباب لقومه وخرج. وهذا أيضاً من قبيل الخبرة بما يصلح الحرب. فليست دليلاً على المعاملات.
3 - وذكر منه تفاوض الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع غطفان ونزوله عند رأي أصحابه بعدم قبول الصلح، وهذا كسابقيه.