فقد كلف الحالف وألزم بأحد أمور ثلاثة، هو مختار بينها، يباح له أن يقوم بأي منها.

وإذا كنت تملك كُوبًا من لبن فإنه يباح لك أن تشربه، وأن تضع فيه عَسَلاً، وأن تخلطه بليمون أو برتقال أو تفاح أو موز، وأن تشرب بعضه وتترك بعضه، وأن تهديه لغيرك، لكن لا يباح لك أن تتفل أو تبصق فيه، أو أن تخلطه ببول أو دم أو خمر، أو نجس، بل لا يباح لك أن تريقه على الأرض وغيرك في احتياج إليه.

وإذا كان على مائدتك أصناف من الطعام، بعضها حلال وبعضها حرام، لحم خنزير ولحم ضأن، ولحم ميتة، وَلَحْمٌ مُذَكًّى، وخمر ولبن، فأنت مُخَيَّرٌ في دائرة المباح من الطعام والشراب، تأكل وتشرب من هذا وتدع ذاك، وتشتهي منها هذا وتعاف منها ذاك، بعض الناس يشتهي الجراد وَبَعْضُهُمْ يَعَافُهُ، بعض الناس يشتهي الأرنب، وَبَعْضُهُمْ يَعَافُهُ، رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعَافُ الضَبَّ وخالد بن الوليد يلتهمه التهامًا، حركة في دائرة محددة وحظر ومنع من تجاوزها إلى الحرام.

وإذا كنت تملك عشرين ثَوْبًا حَلاَلاً فإنه يباح لك أن تلبس منها ما تشاء في الصباح وما تشاء في المساء، وأن تهمل منها ما تشاء، وأن تعتز منها بما تشاء، لكن ليس لك أن تتجاوز بها دائرة المباحات إلى المحرمات، فلا يجوز لك أن تفسدها أو تحرقها، بل لا يجوز لك أن تلبسها فَخْرًا وَرِيَاءَ النَّاسِ. وإذا كنت تملك مائة ألف دينار فإنه يباح لك أن تشتري منها عَقَّارًا أَوْ مَتَاعًا أو سيارة أو مصنعًا أو متجرًا أو مزرعة، أو تتنعم منها بأصناف النعم المباحة، أكلاً وشربًا ولباسًا وسياحة، وكل إنسان أعلم بشؤون دنياه وما يصلحها وما يفسدها، لكن لا يتجاوز دائرة المباحات، فلا يشتري منها خمرًا، أو خنزيرًا، ولا يتعامل بها في الرِّبَا، ولا يغش بها ولا يخادع، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْعِلَ فِي بَعْضِهَا نَارًا، أَوْ يُمَزِّقَهَا وَيَرْمِي بِهَا، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ أَنْ يُسْرِفَ أَوْ يُبَذِّرَ فِي إِنْفَاقِهَا.

يقول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللهَ حَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَقْرَبُوهَا، وَفَرَضَ فَرَائِض فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ - لاَ عَنْ نِسْيَانٍ، وَلَكِنْ رَحْمَةً بِكُمْ - فَلاَ تَكَلَّفُوهَا» أي فلا تتكلفوها، ولا تلزموا أنفسكم بها وَلاَ تَتَزَمَّتُوا فِي اقْتِفَائِهَا وَتَتَبُّعِهَا (?).

ويقول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015