كان مصدر التشريع في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتاب الله وَسُنَّةَ رسوله: ينزل الوحي، فيبلغه النبي الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إلى الناس كافة، وَيُبيِّنُ مقاصده، ثم يطبق أحكامه، فكان - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المرجع الأعلى في جميع أمور الأمَّة، في القضاء والفتوى، والتنظيم المالي والسياسي والعسكري: يعالج الأمور على مرأى من أصحابه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وعلى ضوء القرآن الكريم، فإنْ وجد حُكْمًا للقضية فصل فيها، وإن لم يجد اجتهد فيها حِينًا، أو انتظر الوحي أحيانًا، ليعرف حكم الله تعالى، وقد يجتهد فينزل الوحي مُصَحِّحًا لاجتهاده، لأنَّ الله - عَزَّ وَجَلَّ - لا يُقِرُّ رسوله على الخطأ.
ثم ما لبث أن انتقل محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الرفيق الأعلى، وانقطع الوحي. ولم يبق أمام الأُمَّةِ إلاَّ القرآن العظيم وَالسُنَّةِ الشَّرِيفَةِ، مصداقًا لقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ , وَسُنَّتِي» (?) وتمسك الصحابة والتابعون بِسُنَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - اتباعًا لأوامر الله تعالى بطاعته وقبول حكمه في قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (?) وقوله: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ