به إنما أنكرت عليه أنه يسرد الحديث، ويظهر هذا فيما رُوِيَ عنها: إِنَّمَا «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا، لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لأَحْصَاهُ» (?).

ولو أنكرت عائشة عليه غير سرده للحديث لقالت وَبَيَّنَتْ، وهي الجريئة الصريحة، فأبو هريرة لَمْ يَكْذِبْ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنما كان يسرد الحديث ويكثر منه في مجلسه، فأي شيء يضيره إذا كان مُتَيَقِّظًا مُتَنَبِّهًا عَارِفًا لِمَا يَرْوِي؟.

قال ابن حجر: «وَاعْتُذِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ كَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ المَحْفُوظِ فَكَانَ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ المَهَلِ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّحْدِيثِ كَمَا قَالَ بَعْضُ البُلَغَاءِ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتَصِرَ فَتَتَزَاحَمُ الْقَوَافِي عَلَى فِيَّ» (?).

وقد أثنت عائشة على أبي هريرة وصدقته، من هذا أنه بلغ عبد الله بن عمر حديث أبي هريرة وهو: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ» (?). فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّابًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِرَسُولِهِ: «صَدَقَ أبو هُرَيْرَةَ». فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ» (?). وفي رواية قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَعْلَمُنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015