أثبت رأي كل منهم إلى جانب وجهة نظره فيما ذهب إليه من المنع والكراهة، لأتمكن من استنتاج أسباب هذه الكراهة، فوجدت كما قال الخطيب البغدادي: «أَنَّ كَرَاهَةَ [مَنْ كَرِهَ] الْكِتَابَ مِنَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ إِنَّمَا هِيَ لِئَلاَّ يُضَاهَى بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُهُ , أَوْ يُشْتَغَلَ عَنِ القُرْآنِ بِسِوَاهُ، وَنُهِيَ عَنِ الكُتُبِ القَدِيمَةِ أَنْ تُتَّخَذَ لأَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ حَقُّهَا مِنْ بَاطِلِهَا، وَصَحِيحِهَا مِنْ فَاسِدِهَا , مَعَ أَنَّ القُرْآنَ كَفَى مِنْهَا، وَصَارَ مُهَيْمِنًا عَلَيْهَا , وَنُهِيَ عَنْ كَتْبِ العِلْمِ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ وَجَدْتُهُ لِقِلَّةِ الفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ , وَالمُمَيِّزِينَ بَيْنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ , لأَنَّ أَكْثَرَ الأَعْرَابِ لَمْ يَكُونُوا فَقِهُوا فِي الدِّينِ وَلاَ جَالَسُوا العُلَمَاءَ العَارِفِينَ , فَلَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُلْحِقُوا مَا يَجِدُونَ مِنَ الصُّحُفِ بِالقُرْآنِ , وَيَعْتَقِدُوا أَنَّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ كَلاَمُ الرَّحْمَنِ» (?)، أضف إلى هذا ورع الصحابة وخشيتهم من أن يكون ما يملونه أو يقيدونه غير ما سمعوه من الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -.
من أجل هذا أولى الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - في هذه الحقبة عناية الحفظ في الصحف والمصاحف وفي الصدور، وجمعوه في عهد الصِدِّيقِ، ونسخوه في عهد عثمان، وبعثوا به إلى الآفاق، ليضمنوا حفظ المصدر التشريعي الأول من أن تشوبه أية شائبة، ثم حافظوا على السنة بدراستها و [مُذَاكَرَتِهَا] وكتابتها أحيانًا عند زوال مانع الكراهة، وقد ثبت عن كثير من الصحابة الحث على كتابة الحديث، وإجازة تدوينه.
ولا نشك في هذه الأخبار كما شك غيرنا، لأننا لا نرى فيها ذلك التعارض الذي تصوره بعض المستشرقين (?)، حتى استجازوا لأنفسهم أن يحكموا على