كَتَمَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: تُكْتُبُ صَحِيفَةَ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ وَتَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ؟ فَلَوْ قَالَ لَكَ قَائِلٌ: إِنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِي أَبَانَ ثُمَّ تَكْتُبُ حَدِيثَهُ عَلَى الوَجْهِ؟ فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَكْتُبُ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ عَنْ عَبْدِ الرَزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَلَى الوَجْهِ فَأَحْفَظُهَا كُلَّهَا، وَأَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ حَتَّى لاَ يَجِيءَ بَعْدَهُ إِنْسَانٌ فَيُجْعَلُ بَدَلَ أَبَانَ ثَابِتًا، وَيَرْويِهَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَقُولُ لَهُ: «كَذَبْتَ إِنَّمَا هِيَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ لاَ عَنْ ثَابِتٍ!» (?).

ثَالِثًا - تَتَبُّعِ الكَذَبَةِ:

إلى جانب احتياط العلماء وتثبتهم في قبول الأخبار كان بعضهم يحاربون الكذابين علانية ويمنعونهم من التحديث، ويستعدون عليهم السلطان. فقد كان عامر الشعبي «يَمُرُّ بِأَبِي صَالِحٍ صَاحِبَ التَّفْسِيرِ، فَيَأْخُذَهُ بِأُذُنِهِ وَيَقُولُ: وَيْحَكَ! كَيْفَ تُفَسِّرُ القُرْآنَ وَأَنْتَ لاَ تُحْسِنُ أَنْ تَقْرَأَ» (?). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «لَوْلاَ شُعْبَةُ مَا عُرِفَ الحَدِيثُ بِالعِرَاقِ، كَانَ يَجِيءُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ: لاَ تُحَدِّثْ وَإِلاَّ اسْتَعْدَيْتُ عَلَيْكَ السُّلْطَانَ» (?). وقد كان شعبة شديدًا على الكذابين، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الجُدِّيُّ الثِّقَةُ المَأْمُونُ: «رَأَيْتُ شُعْبَةَ مُغْضَبًا مُبَادِرًا فَقُلْتُ: " مَهْ يَا أَبَا بِسْطَامٍ " فَأَرَانِي طِينَةً (?) فِي يَدِهِ وَقَالَ: «أَسْتَعْدِي عَلَى جَعْفَرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015