يقول الدكتور السباعي: «وَاِنْتَقَلَ هَذَا الفَهْمُ (أَنْ لاَ يَقْبَلَ الصَّحَابَةُ إِلاَّ مَا رَوَاهُ اثْنَانِ) إِلَى كَثِيرِ مِمَّنْ كَتَبَ فِي تَارِيخِ التَّشْرِيعِ الإِسْلاَمِيِّ وَتَارِيخِ السُنَّةِ فِي العَصْرِ الحَديثِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَهُمْ قََضِيَّةً مُسَلَّمَةً لاَ يَذْكُرُونَ غَيْرَهَا، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَسَاتِذَتُنَا الأَجِلاَّءُ مُؤَلِّفُو " مُذَكَّرَةَ تَارِيخِ التَّشْرِيعِ الإِسْلاَمِيِّ " فِي كُلًيَةِ الشَّرِيعَةَِ بِالأَزْهَرِ، فَقَدْ ذَكَرُوا فِي " بَابَ شُرُوطِ الأَئِمَّةِ لِلْعَمَلِ بِالحَديثِ " أَنَّ هَذَا كَانَ شَرْطُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍِّ، لِلْعَمَلِ بِالحَديثِ» (?).
إِنَّ تثبت الصحابة في بعض الأحايث بطلب رَاوِيَيْنِ للخبر لم يكن شرطًا لقبول جميع المروايات، بل قبلوا أخبارًا كثيرة عن مُخْبِرٍ واحدٍ، وعملوا بها في مواضع كثيرة، مِمَّا يَدُلُّ على أنهم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كانوا يطلبون الراوي الثاني لمجرد التثبت والتأكد، لاَ لأَنَّ الخبر لا يثبت عندهم إلاَّ بِرَاوِيَيْنِ، والأخبار التي قَبِلَهَا الخلفاء الأربعة وغيرهم برواية آحَادٍ أكثر بكثير من الأخبار التي طلبوا فيها رَاوِيَيْنِ، وإليكم بعض تلك الآثار:
1 - عَنْ سَعِيدٍ بْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: «الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ»، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (?).