ذكرنا في الفصل الماضي وجود شرذمة قُبَيْلَ نهاية القرن الثاني دعت إلى نَبْذِ السُنَّة النبوية وجُحُودِهَا إلاَّ أنَّ هؤلاء بقوا مخذولين مغمورين إلى نهاية القرن الثاني أو على الأكثر نهاية القرن الثالث ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك.
وظلت الأُمَّةُ الإسلامية آمنة طوال أحد عشر قرنًا من هذه الفتنة حتى جاء عهد الاستعمار وبدأ المستعمرون بنشر أفكارهم الخبيثة للقضاء على مقومات الإسلام وتحقيق مآربهم الاستعمارية من تمزيق المسلمين وتشتيتهم شذر مذر.
وقد اتَّخَذَ المستعمرون مهاجمة السُنَّة والتشكيك في حُجِيَّتِهَا وصدق جامعيها وَرُوَاتِهَا كوسيلة للقضاء على مصادر التشريع ليغزوا المسلمين - بعد ذلك - غَزْوًا فكريًا.
ومن البَلِيَّةِ أنهم وجدوا من أبناء المسلمين من ينتمون إلى آباء المسلمين ويتظاهرون بالإسلام والغيرة عليه وهم ألدُّ أعدائه وأشد ولاء لسادتهم المستشرقين المستعمرين المنطوين على الحقد الدفين ضد الإسلام والمسلمين وعملاء تحقيق خططهم الاستعمارية لأنهم رُبُّوا في أحضان الحضارة الغربية وَتَشَبَّعُوا بثقافتها الإلحادية فلم يحل لهم إلاَّ معايرها ولم يرق في نظرهم إلاَّ إلحادها وانحرافها عن كل ما يمت بصلة إلى القيم الإسلامية وتعاليمها الصافية التي منبعها الكتاب والسُنَّة. ولما رأوا أنه لا يمكن لهم عداء الإسلام جَهْرًا وتشويه تعاليمه ظاهرًا مع الحفاظ على مصالحهم وتعايشهم في البيئة الإسلامية تَلَطَّفُوا في تحقيق مآربهم بالدسائس الخفية والحيل اللطيفة بإثارة الشُبُهَاتِ الواهية والمغالطات المكشوفة في طريق السُنَّة وفي السُنَّةِ نفسها فانطلت دَسِسَتُهُمْ على الأغمار وراجت خديعتهم على الأغرار.
ولكن جرت سُنَّةُ الله أنه لم تكن فتنة إلاَّ قَيَّضَ الله من يقمعها وما أصاب المسلمين غمة إلاَّ ندب الله من يجلوها كما قال تعالى: