الخوارج إنْ لم ينغمسوا في رذيلة الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما فعل أغمار الشيعة - نظراً لصراحتهم وتقواهم وبداوة طبائعهم وبُعْدِهِمْ عن الأخذ بمذهب التَقِيَّةِ الذي يؤمن به الشِيعَة، لكنهم خالفوا الجمهور في مواقف تشريعية كثيرة فرويت عنهم أحكام غريبة، مثل إباحتهم الجمع بين المرأة وعمّتها أو خالتها، وإنكارهم حكم الرجم الوارد في السُنّة، ولم يكن سبب ذلك كما زعم بعض الكاتبين جهلهم بالدين وجرأتهم على الله واستحلالهم لما حرّم اللهُ ورسُولُه، بل كان سببه ما ذهبوا إليه من رد الأحاديث التي خرجت بعد الفتنة أو التي اشترك رواتُها بالفتنة. وإنه لبلاء عظيم أن تسقط عدالة جمهور الصحابة الذين اشتركوا في النزاع مع عليّ ومعاوية، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم، وهم هذا الرأي لا يقِلُّون عن الشِيعَة خطراً وفساد رأي وسوء نتيجة (?).
إلاَّ أنه ليس كل الخوارج على هذ الحالة بل كان هناك فرقة منها تُسَمَّى - الإباضية - يقبلون الأحاديث النبوية وَيَرْوُونَ عن عَلِيٍّ وعثمان وعائشة وابي هريرة وغيرهم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -.
وأما أخذهم بخبر الآحاد فواضح مِمَّا كتبوه في أصول الفقه، ومن هنا لا ينبغي إطلاق القول بأنَّ كافة الخوارج يرفضون السُنَّة التي رواها الصحابة بعد التحكيم أو قبله، إلاَّ أنَّ السُنَّةَ الصحيحة قد لقيت من الخوارج والشيعة عَنَتاً كبيراً وكان لآرائهم الباطلة في الصحابة أثر كبير في اختلاف الآراء والأحكام في الفقه وفيما أثير حول السُنَّةِ من شُبَهٍ فيما بعد.