هذا لا يعني أنَّ الصحابة اشترطوا لقبول الحديث أنْ يرويه راويان فأكثر أو يشهد الناس على الراوي أو أنْ يستحلف بل كان الحامل لهم على هذا ألاَّ يسترسل الناس في رواية الحديث ويتساهلوا فيه من غير تَحَرٍّ وَتَثَبُّتٍ كاف فيقعوا في الكذب على الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حيث شعروا أو لم يشعروا ويتَّضح هذا من قول عمر لأبي موسى: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وإلاَّ فقد قبلوا أحاديث كثيرة برواية الآحاد وبنوا عليها أحكامهم، فقد ورد أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ الْمَجُوسَ. فَقَالَ: «مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ».
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» (?).
وأراد رجم مجنونة حتى أُعْلِمَ بقول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ» (?) فأمر أنْ لا تُرْجَمَ.
يَتَبَيَّنُ من هذا أنَّ الخلفاء الأربعة لم تكن لهم شروط معيَّنة لقبول الأخبار وإنَّ كل ما روي عنهم ما يوهم ذلك لا يعدو التثبت والتأكد وكل ما صدر عنهم كان في سبيل الحفاظ على السُنَّة المطهَّرة وألاَّ يشوبها ما ليس منها.
ومن الجهود التي بُذِلَتْ للحفاظ على السُنَّة وضع ضوبط مُقَرَّرَةٍ تعرف بها قوة الحديث أو وَهَنِهِ منها علم إسناد الحديث وقد بدأ المطالبة به منذ وقت مُبَكِّرٍ واهتم به العلماء حتى جعلوه من الدين، قال عبد الله بن المبارك: «الإِسْنَادُ مِنَ الْدِّينِ، وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ» وقال: «بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ الْقَوَائِمُ» (?) يَعْنِي الإِسْنَادَ.