على الاحتجاج به وأنَّ حكمه حكم المرفوع وأنَّ الجهالة بالصحابي غير قادحة لأنَّ الصحابة كلهم عدول، قال الإمام النووي بعد ذكر الخلاف في حُجِيَّة المرسل: «هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ أَمَّا مرسل الصحابي كاخباره عن شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ أَوْ لِتَأَخُّرِ إسْلاَمِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ حُجَّةٌ ... » ثم قال: «وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " وَ " مُسْلِمٍ " مِنْ هَذَا مَا لا يحصى.
وقال الاستاذ أبو إسحاق الاسفراينى مِنْ أَصْحَابِنَا: " لاَ يُحْتَجُّ بِهِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مُرْسَلِ غَيْرِهِ إلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لاَ يُرْسِلُ إلاَّ مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَحَابِيٍّ، [قَالَ]: لأنهم قَدْ يَرْوُونَ عَنْ غَيْرِ صَحَابِيٍّ "»، ثم قال النووي: «وَالصَّوَابُ الأَوَّلُ وَأَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا لأَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ [نَادِرَةٌ] وَإِذَا رَوَوْهَا بَيَّنُوهَا فَإِذَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ [الصَّحَابَةِ] وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ» (?).
ثانيًا: إنَّ كُتُبَ الحديث لم تذكر إنكار عائشة على أبي هريرة ولكنها ذكرت المسألة على أنَّ أبا هريرة استفتى في صوم من أصبح جُنُبًا فأفتى بأنه لا صوم له، فاستفتيت عائشة وأم سلمة في المسألة نفسها فكلتاهما أفتت بصحة صومه، وقالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا ثُمَّ يَصُومُ [ذَلِكَ الْيَوْمَ]» فلما قيل ذلك لأبي هريرة رجع عن فتواه وقال: «هُمَا أَعْلَمُ مِنِّي»، فالواقعة واقعة فتوى أفتى فيها كل بما علمه وصح عنده عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس فيها إنكار عائشة ولا رَدَّها عليه (?).
ثم لو سلمنا بثبوت الإنكار عنها فليس معناه تكذيب أبي هريرة فيما روى بل معناه أنها لا تعرف هذا الحكم، وإنما تعرف خلافه فيكون من الاستدراكات