قلنا هذا شيء لم ينفرد به أبو هريرة وإنما صنيع كل من روى الحديث من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما عدا - عبد الله بن عمرو - فقد كانت له صحيفة يكتب فيها. وهذا شيء يعترفون به كما قال أحمد أمين: «وعلى كل حال مضى العصر الأول ولم يكن تدوين الحديث شائعًا إنما كانوا يَرْوُونَهُ شفاهًا وحفظًا، ومن كان يُدَوِّنُ فإنما كان يُدَوِّنُ لنفسه» (?).
إذًا فما وجه تخصيص أبي هريرة بهذا؟ وما الفائدة من ذكره وهو معلوم في أحاديث أبي هريرة، فما دام الرجل لم يكتب الحديث وما دام لم يرو عن ذاكرته فقط، وما دامت الذاكرة قد تخطئ وتخون فنحن في شك من صحة أحاديثه (?).
سبحان الله! هل هذا مأخذ على أبي هريرة؟ فهل غفل الأستاذ عن ثناء الصحابة عليه في حفظه وصدقه وزُهده وورعه، بل هل غفل أو تغافل عن دعاء الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحفظ؟.
هل جهل الأستاذ أنَّ العلماء من يفضل الأخذ عن الذي يُحَدِّثُ من حفظه إذا كان مثبتًا صدوقًا عن الأخذ عن الذي يُحَدِّثُ من كتاب غيره، حتى لقد قال علماء الأصول: إذا تعارض حديثان أحدهما مسموع والآخر والآخر مكتوب كان المسموع أولى وأرجح، ومن هنا كره فريق من العلماء من الصحابة والتابعين كتابة الحديث كيلا يَتَّكِلُوا على الكتابة وحدهافتضعف ملكة الحفظ.
أخرج ابن عبد البر عن الأوزاعي: «كَانَ هَذَا الْعِلْمُ شَيْئًا شَرِيفًا إِذْ كَانَ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ يَتَنَاقَلُونَهُ وَيَتَذَاكَرُونَهُ، فَلَمَّا صَارَ فِي الْكُتُبِ ذَهَبَ نُورُهُ وَصَارَ إِلَى غَيْرِ [أَهْلِهِ]» (?).