فالذين اتبعوا الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآمنوا بصدق رسالته، يصدقون بكل ما جاء في السنة النبوية، ويستوي في هذا الأحكام العملية وغيرها، إذ يكفي في ثبوت صدورها عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العلم القريب من اليقين.
لهذا فالذين توقفوا في شيء من أحاديث الآحاد، إنما فعلوا ذلك لأن الحديث لم يثبت عندهم، ومن القبيل ما رواه الإمام مسلم أن عبد الله بن عمرو (*) كان يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينفضن رؤوسهن، فسمعت عائشة أم المؤمنين ذلك فقالت: يَا عَجَبًا لابْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ [إِذَا اغْتَسَلْنَ] أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ. أَفَلاَ يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤُوسَهُنَّ، «لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وَلاَ أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثَ إِفْرَاغَاتٍ».
لذلك نجد الإمام أحمد بن حنبل قد صرح بأن حديث الآحاد يفيد العلم بنفسه (?).
وأحاديث الآحاد التي كانت محلاً للتوقف أو الظن هي التي رويت خلافًا للقواعد الشرعية الثابتة، ومن ثم وجد الشك في صدق الراوي أو قدرته على الحفظ، ومن قبيل ذلك ما رواه أصحاب الكتب الخمسة من أن فاطمة بنت قيس شهدت عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأنها طلقت ثلاثًا فلم يجعل لها رسول الله نفقة ولا سكنى، فرد عمر شهادتها وقال: «لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ اللهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لاَ نَدْرِي لاَ نَدْرْي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ (**)، لها النفقة والسكنى».