المُصْطَلَحِ من إعواز لبيان هذا الأمر، وَإِنْ كان السبب اعتماد علمائنا السابقين - رَحِمَهُمْ اللهُ تَعَالَى - على تحصيل العلم في الصدور وتكوين المَلَكَةِ، ولكن هذا البيان يزيد الردود والمناقشة وُضُوحًا وَجَلاَءً، وَقَدْ عَلَّمَنَا الإسلام الحنيف أَنْ نقيم أمورنا على الحُجَّةِ الواضحة والبرهان الساطع حتى صار ذلك غاية أُمْنِيَّةَ العَالِمِ، بَلْ مُتْعَةَ البَاحِثِ، كما قيل لبعض العلماء الكبار: فِيمَ لَذَّتُكَ؟ فَقَالَ: «فِي شُبْهَةٍ تَتَضَاءَلُ افْتِضَاحًا، وَحُجَّةٍ تَتَبَخْتَرُ اتِّضَاحًا».
وقد توصلنا بفضل الله تعالى وتوفيقه إلى صياغة مبتكرة لهذا العلم علم المصطلح، تبرز وتظهر بجلاء تكامل هذا العلم وَدِقَّتِهِ وَشُمُولِهِ، وأنه في الواقع يشكل ما يسمى بلغة عصرنا هذا (نِظَامًا) أَوْ (نَظَرِيَّةً) نَقْدِيَّةً مُتَكَامِلَةٍ، تتآلف فيها أنواع علوم الحديث كلها، لتبدو في مجموعها منطلقة بتسديد وإحكام نحو الغاية المنشودة، فواجهنا هذا التحدي ببادرة جديدة تَعْتَمِدُ عَلَى الرَدِّ العِلْمِيِّ وَالتَّطْبِيقِ الفِعْلِيِّ في جلاء نظرية النقد عند المُحَدِّثِينَ بقالب جديد ليبرز هذا التكامل، وليس بمجرد الحوار والجدال.
وتقوم هذه النظرية على أساس بسيط جِدًّا وسهل الفهم مقتبس من نص الحديث المتواتر: «نَضَّرَ اللهُ امْرُءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ». فَإِنَّ هذا اللفظ يدل على أنه لاَ بُدَّ لكي يكون الحديث مقبولاً أَنْ يكون راويه قد أداه كما سمعه، وهذا بلا شك أمر واضح لا جدال فيه، وهو يوجب علينا أَوَّلاً أَنْ نَخْبُرَ أَحْوَالَ الرُّوَاةِ، وقد استوعب المُحَدِّثُونَ ذلك بأصول عديدة شاملة تُبَيِّنُ كل ما يتصل بالراوي جَرْحًا وَتَعْدِيلاً، وَتِبْيَانًا لاسمه ونسبه وتمييزه عمن قد يشابه اسمه حتى أحصوا ذلك إحصاء عَجِيبًا وَبِتَمْيِيزٍ دَقِيقٍ، مثل تمييزهم بين من يتفق اسمه مع غيره في الرسم، ويختلف في النطق مثل هذه الأسماء (يزيد،