فيما نعلم.

صنفه هذا الجهبذ النحرير، ليكون كتابًا جامعًا لأحاديث الأحكام، وما يتصل بها ويتممها من الآداب الشرعية، وبناه على مذهب الإِمام الشافعي، ورتبه على أبواب مختصر المزنى، ولم يكن ذلك تعصبًا منه رحمه اللَّهِ للشافعي على غيره، وإنما أراد أن يبين ابتناء الفقه على السنن والآثار، ولذلك استطرد فأخرج عامة ما تمسك به من ذلك إمام من الأئمة، من خبر أو أثر ليكون حجة لمذهبه أو سلفًا له في قوله، وإن كان ضعيفًا من جهة سنده أو من جهة دلالته على المراد، ليبين إجماعَهم على تحرى السنن والآثار في الجملة، وعذرَهم رحمهم اللَّهِ في وقوع اجتهادهم أحيانًا على خلاف الصحيح الثابت، لقصور جَهْدهم عن الإحاطة بالسنة، فإن الاحاطة بها حاصلة من مجموع علماء الأمة، لا من كل واحد على حِدَته.

وبهذا كان سنن البيهقي كالكتاب المستخرج على مجموع الكتب الستة الأصول التي كادت تستوعب السنة إلا قليلًا، وزاد عليها جملة صالحة بما اشتمل عليه مستدرك شيخه أبى عبد اللَّهِ الحاكم النيسابورى، وسنن شيخ شيوخه أبي الحسن الدارقطني، ومصنفا عبد الرزاق وابن أبي شيبة، في نقل فقه الصحابة والتابعين. وكشف فيه الحافظ البيهقي عن موهبة فائقة في حسن التصنيف، كما ظهر ذلك في تصانيفه الأخرى، وعن الصناعة الحديثية بين الرواية والدراية، وجودة التصرف في الجمع بين الفقه والحديث، والأثر والنظر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015