والحاضر الذي يكون في إنسان من الناس، هو حاضر ليس غير؛ لأنه يتحول ويفنى، فهو من الزيغ الذي يعتري النفس، ومنه كل أغراض الحياة البشرية الفانية، ولهذا كان طابع الله على نبينا - صلى الله عليه وسلم - هو تجريده من زيغ الهوى وسرف الطبيعة، فهو من الناس ولكنه متخلق بأخلاق الله (سبحانه)، وله في هذا الباب ما ليس لأحد ولا يطيقه أحد، ويجب على من يقرأ سيرته وشمائله وحديثه أن يبحث دائمًا عن طابع الله في كل شيء منها، فإنه سيرى حينئذ كأنه يدرسها مع الملائكة لا مع الناس، وسيظهر له من تفسيرها أن الدنيا لم تستطع تحقيق غايتها الأخلاقية العليا إلا فيها، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان إنسانًا، وكان أيضًا حركة في تقدم الإنسانية؛ وأن من معجزاته أنه أطاق في تاريخه ما عجزت عنه البشرية في تاريخها، وأن كل أموره - صلى الله عليه وسلم - موضوعة وضعًا إلهيًّا كأنها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015