التأويل يكون هذا الحديث قد احتوى أسمى حقيقة فلسفية للفن.
ومن أثر تلك القوة أيضًا ما تراه من شدة الوضوح في كلامه - صلى الله عليه وسلم -، ولقد رأينا هذه البلاغة النبوية العجيبة قائمة على أن كل لفظ هو لفظ الحقيقة لا لفظ اللغة، فالعناية فيها بالحقائق، ثم الحقائق هي تختار ألفاظها اللغوية على منازلها؛ وبذلك يأتي الكلام كأنه نطق للحقيقة المعبر عنها، والكلمة الصادقة تنطق مرة واحدة؛ فصورتها اللغوية لا تكون إلا صريحة منكشفة عن معناها المضيء كأنما ألقي فيها النور.
وهو معلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يتكلف ولا يتعمل، ولم يكتب ولم يؤلف، ومع هذا لا تجد في بلاغته موضعًا يقبل التنقيح، أو تعرف له رقة من الشأن كأنما بين الألفاظ ومعانيها في كل بلاغته مقياس وميزان، أو كأن هذه البلاغة تنبثق بالكلام على طبيعة عاملة فيه بقواها