أَو من جاهه
وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير الصَّدَقَة متنزها عَمَّا يتهم بِهِ حكام عدن وَغَيرهم من الْخِيَانَة وَكَانَ كثير الْعِبَادَة
أَخْبرنِي شَيْخي أَحْمد بن عَليّ الْحرَازِي الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَن الْفَقِيه مُحَمَّد بن أبي بكر الأصبحي قدم عدن على هَذَا القَاضِي وَهُوَ إِذْ ذَاك شَاب قد تفقه فَكَانَ يحضر مجْلِس القَاضِي ويستمع إلقاءه فيجيب مبادرا فَيَقُول القَاضِي هَذَا يخرج فَقِيها فَكَانَ كَمَا قَالَ وَلَقَد أَخْبرنِي الْفَقِيه عبد الْملك الْوراق بعدن قَالَ أَخْبرنِي من أَثِق بِهِ من خبر هَذَا القَاضِي أَنه كَانَ يتَصَدَّق كل يَوْم بِدِينَار خبْزًا وَلما دخل شمس الدّين البيلقاني عدن صَحبه وتتلمذ لَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْوَجِيز للغزالي وَلم يكن إِذْ ذَاك أظهر شَيْئا من معتقده الَّذِي شهر بِهِ فَلَمَّا أظهره انشقت الْعَصَا بَينهمَا وتهدد القَاضِي من حضر مَجْلِسه أَو قَرَأَ عَلَيْهِ فَتفرق غَالب النَّاس عَنهُ فصاروا نافرين وَمن رغب بِالْأَخْذِ عَنهُ أَتَاهُ سرا إِن خشِي من القَاضِي وَكَانَ السُّلْطَان المظفر قد جعله مدرسا فِي مدرسة أَبِيه الْمَنْصُور فَلم يهن ذَلِك على القَاضِي لما رأى من قصوره فِي معرفَة الْفِقْه ولمباينة المعتقد فَمَا زَالَ يفكر فِي إِخْرَاجه عَن الْمدرسَة حَتَّى أجمع رَأْيه على أَنه يَأْمر بعض الطّلبَة يسْأَله كَمَا سَيَأْتِي فِي ذكر البيلقاني وَكَانَ القَاضِي هَذَا من أهل الحمية والعصبية الَّذين لَا تأخذهم فِي الله لومة لائم وَكَانَ فِي عدن نَاظر يعرف بالجزري وَكَانَ متعصبا مَعَ البيلقاني وَرُبمَا كَانَ السَّبَب فِي إشفاق السُّلْطَان عَلَيْهِ فَكتب إِلَى السُّلْطَان يتَكَلَّم على القَاضِي مَا لَيْسَ بِحَق نصرا للبيلقاني فَعَاد جَوَاب السُّلْطَان إِلَى الْجَزرِي يعده بعزل القَاضِي فِي وَقت معِين فَمن شدَّة فَرح النَّاظر بذلك أخبر بذلك كافور البالكي الْآتِي ذكره وَكَانَ مِمَّن يصحب القَاضِي وَيُحِبهُ فَأخْبرهُ بذلك وَقَالَ لَهُ اجْتمع بالأمير عَبَّاس وَأخْبرهُ بِمَا فعل الْجَزرِي فَفعل ذَلِك وَكَانَ عَبَّاس على مُعْتَقد القَاضِي فشق عَلَيْهِ وَكتب إِلَى المظفر ورقة يُخبرهُ بصلاح القَاضِي وَدينه وَأَنه قل أَن يسْتَبْدل بِهِ وَيَقُول قد بَلغنِي أَن بعض من لَا خير فِيهِ كتب إِلَى مَوْلَانَا يتَكَلَّم عَلَيْهِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ وَأَنه غير صَادِق فجوب لَهُ السُّلْطَان يَقُول لَهُ لقد تحققنا مَا ذكرت عَن القَاضِي لسنا نسْمع فِيهِ كلَاما فلتطب نَفسك وَنَفسه واسأله لنا الدُّعَاء أَو كَمَا قَالَ وشق على السُّلْطَان كَون الْجَزرِي أذاع مَا كتب بِهِ إِلَيْهِ من عزل القَاضِي وأكن ذَلِك فِي نَفسه فَلَمَّا جَاءَ الْوَقْت الَّذِي يرقب فِيهِ عزل القَاضِي وَلم يعْزل ظن أَن السُّلْطَان قد نسي فَكتب إِلَيْهِ يستنجزه الْوَعْد فَعَاد جَوَابه يَقُول لَهُ لَوْلَا خوف الله لعملنا بهلاكك إِذْ نفشي إِلَيْك سرا تذيعه فَكَانَ ذَلِك آخر مُكَاتبَة جرت من الْجَزرِي فِي حَقه ثمَّ بعد عود المظفر من الْحَج دخل عدن فَشَكا أَهلهَا من الْجَزرِي وفظاظته وجبروته فَأمر السُّلْطَان القَاضِي الْبَهَاء أَن يحاقق بَينه وَبينهمْ فَكَانَ ذَلِك فِي الْجَامِع