لأجلهم فِيهِ من الضّيق مَا لَا ينْحَصر وَكَانَ قد أَمر السُّلْطَان وَالِي عدن بِبِنَاء سجن شَدِيد الضّيق لَيْسَ لَهُ متنفس لخارج وَلَا دَاخل فاجتهد الْوَالِي ببنائه ظنا أَنه لبَعض الْجَبَابِرَة من أَعدَاء السُّلْطَان فَلَمَّا جِيءَ بالقضاة نَدم على ذَلِك فلبثوا بالسجن مُجْتَمعين لَا يكَاد يفتح لَهُم بَاب إِلَّا فِي الْوَعْد مرّة أَو مرَّتَيْنِ لما يُؤْتى بِهِ من المَاء
أما الطَّعَام فَينزل لَهُم من تصدق عَلَيْهِم من طَاقَة فِي السّقف سقف الْحَبْس وَذَلِكَ أَنه يُعْطِيهِ الحباس سرا خشيَة أَن يبلغ عدوهم وَبعد ثَلَاث سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر توفّي حسان على ذَلِك الْحَال فقبر بالمقبرة الَّتِي بهَا ابْن أبي الْبَاطِل وَهُوَ أحد مَشَايِخ الطَّرِيق من الصُّوفِيَّة الأكابر ولبث ابناه حَتَّى قدمت الْحرَّة كَرِيمَة السُّلْطَان من ظفار بعد وَفَاة أَخِيهَا الواثق الْآتِي ذكره وَكَانَت إِحْدَى أخيار الخواتين على طَرِيق الْمُرُوءَة وَالدّين وَالصَّدَََقَة وَقد مضى من ذكرهَا مِمَّا يُغني عَن إِعَادَته فحين وصلت تعز إِلَى أَخِيهَا وسلمت عَلَيْهِ شفعت لَهُم وَقَالَت أجعلهم ضيافتي مِنْك فَأمر بإطلاقهم فَعلم بذلك عَدو لَهُم غير الأول فَأمر بِأَنَّهُم لَا يخرجُون من عدن وَكَانَ الْوَالِي ابْن عَلَاء الدّين عمر فأعادهم من بَاب عدن وأسكنهم فِي دَار جَيِّدَة وفسح لَهُم فأقاموا هُنَالك مُدَّة وَبعد وَفَاة الْوَزير وانقضاء أَيَّام بني مُحَمَّد بن عمر على مَا يَأْتِي بَيَانه طلب بَنو عمرَان من عدن وَجمع بَينهم وَبَين أخيهم بزبيد وَكَانَ فِي يَوْم حبس وَالِده بعدن حبس وَهُوَ بِحَبْس زبيد وَجعل لَهُ فِي وَسطه حبس فِي غَايَة الضّيق وَكَانَ كثيرا مَا يُوجد خَارج الْحَبْس فِي الْمَسَاجِد يُصَلِّي وَبلغ السُّلْطَان الْمُؤَيد فَأَطْلقهُ وَجعل لَهُ رزقا يقتاته وَسكن بدار عَمه القَاضِي الْبَهَاء مقدم الذّكر وَلما صَار الْملك إِلَى الْمُجَاهِد بن الْمُؤَيد الْمرة الأولى وَالْغَالِب عَلَيْهِ الْأَمِير عمر بن يُوسُف بن مَنْصُور قَالَ لَهُ القَاضِي عبد الْبَاقِي بن عبد الْمجِيد يَا أَمِير اعْمَلْ لآخرتك وَاسع فِي إِطْلَاق هَؤُلَاءِ بني عمرَان من زبيد واجمع بَينهم وَبَين عائلتهم فَلم يزل عمر بن يُوسُف يتلطف حَتَّى أطْلقُوا من زبيد وطلعوا سهفنة فِي الدولة المجاهدية وَتُوفِّي مُحَمَّد بن حسان بعد أشهر دون السّنة من طلوعهم يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر صفر من سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة
وَأما ابْن عَمه عمرَان فَتوفي بزبيد بعد وَفَاة أَبِيه بأيام قَلَائِل وَكَانَ قد توزر للواثق مُدَّة حَتَّى سَافر إِلَى ظفار فَلم يتْركهُ أَهله يُسَافر مَعَه وَبَقِي حَاكم تعز فِي غَالب الْأَحْوَال إِذْ كَانَ عَمه حسان حاكمها مُنْذُ توفّي مُحَمَّد بن عَليّ وَقد يستنيبون بعض المدرسين مجَازًا وَالله أعلم
وَفِيهِمْ فُقَهَاء درسوا وأفتوا فلعبد الله وَلَده مُحَمَّد كَانَ فَقِيها فَاضلا درس مُدَّة