قَرْيَة فِيهِ فابتنى بَيْتا فِيهِ ومسجدا وَاجْتمعَ عِنْده جمع من الطّلبَة فَأخذُوا عَنهُ فَسُمي ذَلِك الْمَكَان الْمدرسَة ثمَّ انْتقل عَنهُ إِلَى قَرْيَة تعرف بِمحل الأعوض فَلبث بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْمدرسَة فَلم يزل بهَا إِلَى أَن توفّي على حَال الْكَمَال بعد أَن صنف عدَّة مصنفات مِنْهَا مُخْتَصر فِي الْفِقْه يعرف بالمعونة وَشرح كتاب نظام الْغَرِيب فِي اللُّغَة وَيُقَال إِن شَيْخه مُحَمَّد بن الْمعلم الجبائي مَاتَ قبل تَمام شرح المقامات وتممه وَبِه تفقه جمَاعَة من أَهله وَغَيرهم مِنْهُم ابْن أَخِيه أَحْمد الْآتِي ذكره وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة لبضع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة

وَأما مُوسَى وَكَانَ من أكَابِر الْفُقَهَاء بِزَمَانِهِ تفقه بإبراهيم بن زَكَرِيَّا وَقد ذكرته فِي أَصْحَابه وَكَانَ فَقِيها كَبِيرا صَالحا يصحب الأخيار وَالصَّالِحِينَ وَتزَوج بابنة مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن الْفَقِيه مُحَمَّد الْأَحْنَف مقدم الذّكر فأولدت لَهُ اثْنَيْنِ هما مُحَمَّد البَجلِيّ وَصَاحبه الْحكمِي الْآتِي ذكرهمَا إِن شَاءَ الله إِذْ كَانَ يصحبهما فبشره بِأَنَّهَا تَأتي بِولد يكون عَظِيم الْبركَة وَالْقدر فَلَمَّا وضعت أخبرهما بذلك فَقَالَا إِن الْوَلَد الْعَظِيم الْبركَة هُوَ الَّذِي يَأْتِي بعده فَلَمَّا وضعت أَخَاهُ أَحْمد عرفاه بِأَنَّهُ سَيكون سيد زَمَانه علما وَعَملا وَكَانَ كَمَا قَالَا وَحين اشْتغل بِالطَّلَبِ وَالْقِرَاءَة حمل عَنهُ أَخُوهُ مؤونة كلفته وَكَانَ هَذَا مُوسَى من أَعلَى النَّاس همة وأشرفهم نفسا وَأَحْسَنهمْ عصبية وأعظمهم حمية وَقد ذكرت من ذَلِك مَعَ ذكر الإِمَام إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا مَا يدل عَلَيْهِ وَقد أَخْبرنِي خَبِير ثِقَة أَنه ثَبت عِنْده أَن هَذَا الْفَقِيه كَانَ كثيرا مَا إِذا سَافر مَكَّة صحب إِمَام الْمقَام يَوْمئِذٍ وَأَنه كَانَ رجلا مُبَارَكًا ذَا عبَادَة وزهادة وَكَانَت أَسبَاب مَكَّة غَالِبا بِيَدِهِ من إِمَامَة وتدريس وَقَضَاء وخطابة وَأَنه حسده بعض أهل زَمَانه مِمَّن سكن مَكَّة على كَثْرَة أَسبَابه مَعَ كَونه جعد الْمعرفَة فِي الْعلم فكاتب خَليفَة بَغْدَاد وَكَلمه كلَاما مزعجا حَتَّى أَنه أَمر وزيره بافتقاد ذَلِك وَمَتى كَانَ كَمَا ذكر الْمُتَكَلّم عَزله عَن جَمِيع أَسبَابه وَجعل فِي كل سَبَب مِنْهَا من يكمل لَهُ وَلما سَار الركب من الْعرَاق إِلَى مَكَّة كتب بعض أَصْحَاب الإِمَام إِلَيْهِ يُخبرهُ أَن الْوَزير قد ندب إِلَيْهِ فُقَهَاء فضلاء يستحضرونه بِمَكَّة ويسألونه عَمَّا يَلِيق بالفقه والإمامة والخطابة فَإِن وجدوه أَهلا أبقوه وَإِلَّا عزلوه وَبعث بذلك من يعْتَاد وُصُول مَكَّة قبل الركب بأيام فوصل الْكتاب إِلَى الْفَقِيه فحين علم مَا فِيهِ أجمع بخاطره أَن يختفي من وَقت وُصُول الركب إِلَى وَقت سَفَره واختفى وَأمر جَارِيَته أَن تعتذر بِعُذْر لَائِق فَدخل الْفَقِيه مُوسَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015