وتجده يستدل على عقيدته الأشعرية في تأويل الصفات بحديث مكذوب على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو: (وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ)، ونسبه إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ثم قال المفتي في الهامش في تخريج هذا الأثر: «الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي 1/ 321».
ونسأل المفتي: هل هذا الأثر حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ وهل هو متواتر، أم آحاد؟ هل هو صحيح أم ضعيف؟ لم يبَيّن لنا المفتي؟ وهل الكتاب الذي عزى إليه مصدر معتبر في تخريج الأحاديث؟!! وهل هذا الأثر أصح من أحاديث البخاري ومسلم؟!!
نترك الإجابة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال: «(وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ) كَذِبٌ مُفْتَرًى عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مُخْتَلَقٌ وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ لَا كِبَارِهَا وَلَا صِغَارِهَا وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِسْنَادِ لَا صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ وَلَا بِإِسْنَادِ مَجْهُولٍ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ: بَعْضُ مُتَأَخِّرِي مُتَكَلِّمَةِ الْجَهْمِيَّة ...
وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ».
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الْإِلْحَادِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: «وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ» قَصَدَ بِهَا الْمُتَكَلِّمَةُ الْمُتَجَهِّمَةُ نَفْيَ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ؛ مِنْ اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ وَنُزُولِهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَالُوا: كَانَ فِي الْأَزَلِ لَيْسَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْعَرْشِ لِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ التَّحَوُّلِ وَالتَّغَيُّرِ.
وَيُجِيبُهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْإِثْبَاتِ بِجَوَابَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَجَدِّدَ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرْشِ: بِمَنْزِلَةِ الْمَعِيَّةِ وَيُسَمِّيهَا ابْنُ عَقِيلٍ الْأَحْوَالَ. وَتَجَدُّدُ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ؛ إذْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَغَيُّرًا وَلَا اسْتِحَالَةً.