بهم ويطلب مشورتهم في النوازل وكان العلماء والفقهاء يقومون بدورهم الكبير في توعية الشعب بالأخطار المحيطة به ويحرضون الناس على طلب الشهادة، والإستجابة لنداء الجهاد، فقد حدث تكامل بين أمراء المماليك والعلماء في مقاومة التتار، فكان ذلك الإنسجام والتعاون المستمر من أسباب النصر في عين جالوت، فبين العلماء أحكام الله تعالى في الجهاد، كيف يتعامل مع أموال العامة، حتى تصبح حلالاً لا ظلم ولا عدوان فيها، مع الإستعداد النفسي لدى السلطان قطز في تنفيذ حكم الله وأثر ذلك على شعور الناس بقيمة العدل التي ساهمت في جعل روح جديدة تسري في كيان الشعب تحت قيادة قطز.
11 ـ الزهد في الدنيا: لما تحدثنا عن أسباب سقوط الدولة الخوارزمية، ذكرنا منها، حب الدنيا وكراهية الموت، وكيف كان حب الدنيا مهيمناً على القيادة والشعب في ذلك الوقت، وقد دبت الهزيمة النفسية في قلوب المسلميين وتعلقوا بدنياهم الذليلة تعلقاً ورضوا بأن يبقوا في قراهم ومدنهم ينتظرون الموت على أيدي الفرق المغولية، وقد رأينا، محمد بن خوازم، وجلال الدين بن خوارزم والناصر لدين الله، والحليفة العباسي المستعصم بالله، وبدر الدين لؤلؤ، والناصر الأيوبي، كيف كانت نهايتهم أما قطز وشعبه، فقد فطنوا لهذا المرض، وزهدوا في الدنيا وكان سيف الدين قطز قدوة ومثلاً حياً بين الناس، فقد باع ما يمتلكه ليجهز جيوش المسلمين المتجهة لحرب التتار، ولم يطمع في كرسي الحكم، بل عرض القيادة على الناصر يوسف الأيوبي على قلة شأنه، إذا قبل بالوحدة بين مصر والشام، ولم يطمع في استقرار عائلي أو إجتماعي أو أمن أو أمان، فكرس حياته للجهاد والقتال، على صعوبته وخطورته، ولم يطمع في أن يمتد به العمر، فخرج على رأس الجيوش بنفسه ليحارب التتار في حرب مهلكة، ولا شك أنه يعلم أنه سيكون أول المطلوبين للقتل، ولا شك أنه يدرك كذلك أنه إذا لم يخرج بنفسه، وأخرج من ينوب عنه فإن أحداً لن يلومه؛ لأنه الملك الذي يجب أن يحافظ على نفسه لأجل مصلحة الأمة لكنه اشتاق بصدق إلى الجهاد وتمنى الموت بين صليل السيوف وأسنة الرماح فزهد في هذه الدنيا الفانية وكانت حياته تطبيقاً عملياً كاملاً لكلماته (?) ,