381 - قال (?): وقد وجدتُ قصّته في (تذكرة) الصلاح الصفدي (?) نقلًا مِن تذكرة علاء الدين الوَدَاعي.

قال الوداعي: حدثنا جلال الدين محمد بن سليمان الكاتب بدمشق أخبرنا نور الدين علي بن محمد [الحسيني] (?) الخراساني -قدم علينا سنة إحدى وسبعمائة- أخبرنا جدي [الحسين] (?) بن محمد قال: كنتُ في زمن الصبا سافرتُ مع أبي وعمّي وأنا ابن [سبع] (?) عشرة سنة مِن خراسان إلى الهند في تجارة، فوصلنا إلى ضيعة مِن أوائل الهند فعرج القفل نحوها فنزلوا، فضجّ أهل القافلة، فسألنا عن ذلك فقالوا: هذه ضيعة المعمّر الشيخ رتن. فرأينا بفناء القرية شجرة عظيمة وتحت ظلِّها جمعٌ عظيم، فتبادر أهل القافلة نحو الشجرة فتلقّانا مَن تحتها، فرأينا زنبيلًا كبيرًا معلَّقًا في غصن مِن الشجرة فسألناهم عنها فقالوا: في هذا الزنبيل الشيخ رتن الذي رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ودعا له بطول العمر ست مرات. فسألناهم أن يُنزلوه لنسمع منه، فتقدّم شيخ منهم إلى الزنبيل فأنزله مِن بَكَرة، فرأينا الشيخ في وسط القطن فإذا هو كالفرخ، فحسر عن وجهه ووضع فمه على أذنه فقال: يا جدّاه هؤلاء قوم قدموا (?) فيهم شرفاء مِن أولاد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد سألوا أن تحدِّثهم. فتنفّس الشيخ وتكلّم بصوتٍ كصوت النحل بالفارسية فقال: سافرتُ مع أبي وأنا

-[327]-

شاب في تجارة إلى الحجاز، فلمّا (?) بلغنا بعض أودية مكة وكان المطر قد ملأ الأودية فرأيتُ غلامًا أسمر اللون مليح الكون حسن الشمائل وهو يرعى إبلًا في تلك الأودية، وقد حال السيل بينه وبين إبله وهو يخشى مِن خوض الماء لقوة السيل، فعلمتُ حاله فأتيت إليه وحملتُه وخضتُ السيل إلى عند إبله مِن غير معرفة سابقة، فلمّا وضعتُه عند إبله نظر إليَّ وقال لي بالعربية: (بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك).

فتركتُه ومضيتُ إلى حال سبيلي إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما أتينا له مِن أمر التجارة وعُدنا إلى الوطن. فلمّا تطاولت المدة على ذلك كنّا جلوسًا في فناء ضيعتنا هذه في ليلة مقمرة ليلة البدر، والبدر في كبد السماء إذ نظرنا إليه وقد انشقّ نصفين فغرب نصف بالمشرق ونصف بالمغرب فأظلم الليل، ثم طلع النصف مِن المشرق والثاني مِن المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء كما كانا أول مرة، فتعجّبنا مِن ذلك غاية التعجب ولم نعرف لذلك سبباً، فسألنا الرُّكبانَ عن خبر ذلك وسببه فأخبرونا أنّ رجلًا هاشميًا ظهر بمكة وادّعى أنه رسول الله إلى كافة العالم، وأنّ أهل مكة سألوه معجزة كمعجزات سائر الأنبياء، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في المشرق ونصفه في المغرب ثم يعود إلى ما كان عليه، ففعل لهم ذلك بقدرة الله تعالى. فلمّا سمعنا ذلك من السفار اشتقتُ إلى أن أرى المذكور، فتجهّزتُ في تجارة وسافرتُ إلى أن دخلتُ مكة وسألتُ عن الرجل الموصوف فدلّوني على موضعه، فأتيتُ إلى منزله فاستأذنتُ عليه فأذن لي فدخلتُ عليه فوجدتُه جالسًا في وسط المنزل والأنوار تتلألأ في وجهه وقد

-[328]-

استنارت محاسنه وتغيَّرت صفاته التي كنتُ أعهدها في السفرة الأولى فلم أعرفه، فلمّا سلّمتُ عليه نظر إليّ وتبسّم وعرفني وقال: (وعليك السلام، ادنُ منّي). وكان بين يديه طبقٌ فيه رُطب وحوله جماعة مِن أصحابه يعظِّمونه ويبجِّلونه، فتوقَّفتُ لهيبته فقال: (يا بابا ادنُ منّي وكل، الموافقة مِن المروءة، والمفارقة مِن الزندقة). فتقدَّمتُ وجلستُ وأكلتُ معهم مِن الرُّطب وصار يناولني الرُّطب بيده المباركة إلى أن ناولني ستَّ رطبات مِن سوى ما أكلتُ بيدي، ثم نظر إليَّ وتبسَّم وقال لي: (ألم تعرفني؟) قلتُ: كأنّي بك، غير أنَي ما أتحقق. فقال: (ألم تحملني في عام كذا وجاوزتَ بي السيل حين حال السيلُ بيني وبين إبلي؟) فعرفتُه بالعلامة وقلتُ له: بلى يا صبيح الوجه. فقال لي: (امدد يدك). فمددتُ يدي اليمنى إليه فصافحني بيده اليمنى وقال لي: (قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله). فقلتُ ذلك كما علّمني فسُرَّ بذلك وقال لي عند خروجي مِن عنده: (بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك). فودَّعتُه وأنا مستبشرٌ بلقائه وبالإسلام، فاستجاب الله دعاء نبيِّه وبارك في عمري بكل دعوةٍ مائة سنة، وعمري اليوم ستمائة سنة وزيادة، وجميعُ مَن في هذه الضيعة العظيمة أولادي وأولاد أولادي، وفتح اللهُ عليَّ وعليهم بكلِّ خير وكلِّ (?) نعمة ببركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انتهى (?).

ثم ذكر الصفدي فصلًا في تقوية قصة رتن والإنكار على مَن ينكرها، ومعوّله في ذلك الإمكان العقلي.

وردَّ عليه القاضي برهان الدين ابن جماعة فيما كتب بخطِّه في حاشية التذكرة بأن المعوَّل في ذلك إنما هو النقل، وليس كلُّ ما يجوِّزه العقل يستلزم الوقوع.

-[329]-

* قال الحافظ ابن حجر (?): وممّن رَوى عنه ولم يذكره الذهبي زيد بن ميكائيل بن إسرافيل الخُوزَفُوفلي، حدَّث عنه في سنة (682) قال: سمعتُ رتن بن مهادنو (?) بن باسدنو (?)، فذكر أحاديث موضوعة منها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015