التَّأَسِّي وَهُوَ أَشَدُّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَأَسِّيًا؟ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ مَجْزَأَةَ: هَذَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِ مُحَصِّلٍ قَطُّ عَرَفَ قَدْرَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاطَّلَعَ عَلَى سَبِيلِهِمْ، قَالَ: وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَلْ تَسْمَعُ مَعْنَاهُ تَسْمَعُ هَلْ تَسْمَعُ؟ وَإِنَّمَا أَسْقَطَ تَسْمَعُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إذْ مَنْ وَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَا يَسْمَعُ وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَمْنُوعَ هُوَ الِاسْتِمَاعُ لَا السَّمَاعُ لَا عَنْ قَصْدٍ اتِّفَاقًا، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا أَنَّ مَنْ بِجِوَارِهِ سَمَاعُ آلَاتِ لَهْوٍ مُحَرَّمَةٍ وَلَا يُمْكِنُهُ إزَالَتُهَا لَا تَلْزَمُهُ النَّقْلَةُ وَلَا يَأْثَمُ بِسَمَاعِهَا لَا عَنْ قَصْدٍ وَإِصْغَاءٍ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ زَمَّارَةُ رَاعٍ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهَا الشَّبَّابَةُ فَإِنَّ الرُّعَاةَ يَضْرِبُونَ بِالشُّعَيْبَةِ وَغَيْرِهَا يُوهِمُ أَنْ يُسَمَّى شُعَيْبَةُ مُبَاحٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قَصَبَاتٍ عِدَّةٍ صِغَارٍ تُجْعَلُ صَفًّا وَلَهَا إطْرَابٌ بِحَسَبِ حِذْقِ مُتَعَاطِيهَا وَهِيَ شَبَّابَةٌ أَوْ مِزْمَارٌ لَا مَحَالَةَ. انْتَهَى.
وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي الدَّلِيلِ انْدَفَعَ قَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ مَيْلًا لِإِبَاحَةِ الشَّبَّابَةِ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُعْتَبَرٍ وَلَمْ يُقِمْ النَّوَوِيُّ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ فَهُنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهُوَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ الْقِيَاسُ عَلَى الْآلَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مُطْرِبًا بَلْ رُبَّمَا كَانَ الطَّرَبُ الَّذِي فِي الشَّبَّابَةِ أَشَدَّ مِنْهُ فِي نَحْوِ الْكَمَنْجَةِ وَالرَّبَابَةِ فَهُوَ إمَّا قِيَاسٌ أَوْلَى أَوْ مُسَاوَاةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَذْكُورِينَ وَهُمَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، فَكَذَا هِيَ وَسُمِّيَتْ يَرَاعًا بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ لِخُلُوِّ جَوْفِهَا، وَمِنْهُ رَجُلٌ يَرَاعُ لَا قَلْبَ لَهُ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ يَرَاعَةٌ كَمَا فِي تَهْذِيبِ النَّوَوِيِّ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْيَرَاعُ الْقَصَبُ وَالْيَرَاعَةُ الْقَصَبَةُ، وَحِينَئِذٍ فَتَفْسِيرُ الْيَرَاعِ بِالشَّبَّابَةِ فِيهِ تَجَوُّزٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ جَمْعُ يَرَاعَةٍ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِالْمُفْرَدِ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ اخْتِلَافِ الشَّيْخَيْنِ الْقَصَبُ الْمُسَمَّى بِالْمَوْصُولِ؛ لِأَنَّهُ يُضْرَبُ بِهِ مَعَ الْأَوْتَارِ وَهُوَ مِنْ شِعَارِ شَارِبِي الْخَمْرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ اطَّلَعَ عَلَى أَحْوَالِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَرَاعِ كُلَّ قَصَبٍ بَلْ الْمِزْمَارُ الْعِرَاقِيُّ، وَمَا يُضْرَبُ بِهِ مَعَ الْأَوْتَارِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَفْظَةُ مَعَ هُوَ مَا فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ الْعَزِيزِ، وَالْمَوْجُودُ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ وَمَا تُضْرَبُ