وَقَدْ أَطْلَقَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ رَدَّ السَّائِلِ صَغِيرَةٌ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّ الْمُبَاحَ يَصِيرُ صَغِيرَةً بِالْمُوَاظَبَةِ كَاللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَدْ أُطْلِقَ لَفْظُ الصَّغِيرَةِ عَلَى مَا لَا يَحْرُمُ. انْتَهَى. فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْخُصُومَاتِ وَصَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَأَنَّهُ لَا يُلَاقِي كَلَامَ صَاحِبِ الْعُدَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مَعْصِيَةٌ، كَمَا أَنَّ مُتَدَارِكَ السُّنَنِ لَيْسَ بِعَاصٍ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِلتَّهَاوُنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَثْرَةَ الْخُصُومَاتِ وَعَدَمَ الْإِغْضَاءِ وَالتَّجَاوُزِ يُورِثُ ضَرَاوَةً وَجُرْأَةً وَفِي مَعْنَى الْإِكْثَارِ فِي الْخُصُومَةِ الْمُخَاصَمَةُ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَوُكَلَاءِ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ. انْتَهَى.
بَابُ الْقِسْمَةِ (الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: جَوْرُ الْقَاسِمِ فِي قِسْمَتِهِ وَالْمُقَوِّمِ فِي تَقْوِيمِهِ) . أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَيْتٍ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ الْبَابِ فَقَالَ هَلْ فِي الْبَيْتِ إلَّا قُرَشِيٌّ؟ فَقَالُوا لَا إلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا فَقَالَ ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا إذَا اُسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا وَإِذَا قَسَمُوا أَقْسَطُوا، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَيْنِ لَمْ أَرَهُ لَكِنَّهُ صَرِيحُ الْحَدِيثِ فِي الْأُولَى وَقِيَاسُهَا فِي الثَّانِيَةِ بَلْ هِيَ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُتَوَعَّدِ عَلَيْهِ بِتِلْكَ اللَّعْنَةِ الْعَامَّةِ يَشْمَلُ الْجَوْرَ فِي الْأَنْصِبَاءِ وَفِي الْقِسْمَةِ.