وَلَكِنْ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا يَشْهَدَانِ عَلَيْهَا بِمَا كَانَتْ تُعَنِّتُ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيَشْهَدُ عَلَى الرَّجُلِ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ بِمَا كَانَ يُولِي زَوْجَتَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ثُمَّ يُدْعَى بِالرَّجُلِ وَخَدَمِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ دَوَانِيقُ وَلَا قَرَارِيطُ، وَلَكِنْ حَسَنَاتُ الظَّالِمِ تُدْفَعُ إلَى الْمَظْلُومِ وَسَيِّئَاتُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الظَّالِمِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَبَّارِينَ بِمَقَاطِعَ مِنْ حَدِيدٍ فَيُقَالُ سُوقُوهُمْ إلَى النَّارِ» .
وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ: سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ حَقَّ مَنْ انْتَقَصُوا، إنَّ الظَّالِمَ لَيَنْتَظِرُ الْعِقَابَ، وَالْمَظْلُومُ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ وَالثَّوَابَ. وَرُوِيَ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا سَلَّطَ عَلَيْهِ مَنْ ظَلَمَهُ دَخَلَ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ يَوْمَ الْأَذَانِ؛ قَالَ هِشَامٌ. وَمَا يَوْمُ الْأَذَانِ؟ قَالَ: وقَوْله تَعَالَى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 44] فَصَعِقَ هِشَامٌ، فَقَالَ طَاوُسٌ: هَذَا ذُلُّ الصِّفَةِ فَكَيْفَ الْمُعَايَنَةُ؟ وَمَرَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَرَّأَ مِمَّنْ أَعَانَ الظَّالِمَ. وَفِي حَدِيثٍ: «مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ» . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا تَمْلَئُوا أَعْيُنَكُمْ مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ إلَّا بِإِنْكَارٍ مِنْ قُلُوبِكُمْ لِئَلَّا تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ الصَّالِحَةُ. وَقَالَ مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيُّ: يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الظَّلَمَةُ وَأَعْوَانُهُمْ؟ فَمَا يَبْقَى أَحَدٌ حَبَّرَ لَهُمْ دَوَاةً أَوْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَّا حَضَرَ مَعَهُمْ فَيُجْمَعُونَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ فَيُلْقَوْنَ فِي جَهَنَّمَ. وَجَاءَ خَيَّاطٌ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: إنِّي أَخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ أَفَتَرَانِي مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: بَلْ أَنْتَ مِنْ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْك الْإِبْرَةَ وَالْخُيُوطَ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ السَّوَّاطُونَ الَّذِينَ يَكُونُ مَعَهُمْ الْأَسْوَاطُ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ بَيْنَ يَدَيْ الظَّلَمَةِ.» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: الْجَلَاوِزَةُ، أَيْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَالشُّرَطُ أَيْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: وُلَاةُ الشُّرْطَةِ وَهُمْ أَعْوَانُ الْوُلَاةِ وَالظَّلَمَةِ، الْوَاحِدُ مِنْهُمْ شُرْطِيٌّ: بِضَمٍّ فَفَتْحٍ - كِلَابُ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَرُوِيَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى مُوسَى صَلَّى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: «أَنْ مُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يُقِلُّوا مِنْ ذِكْرِي، فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي وَإِنَّ ذِكْرِي إيَّاهُمْ أَنْ أَلْعَنَهُمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي مِنْهُمْ بِاللَّعْنَةِ» .