وَفِي إسْنَادِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْهُ، وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ هَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ هَاجَرْت، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ لَك أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ قَالَ: أَبَوَايَ. قَالَ: أَذِنَا لَك؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَك فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي إسْنَادِهِ دَرَّاجُ أَبُو السَّمْحِ الْمِصْرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَمْعَانَ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى.
وَقَوْلُنَا مَا لَمْ يُتَّهَمْ الْوَالِدُ فِي ذَلِكَ أَخْرَجْنَا بِهِ مَا لَوْ كَانَ الْوَالِدُ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الْوَلَدُ إلَى إذْنِهِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ، وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَا إذْنَ الْوَالِدِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَقَوْلُنَا أَوْ أَنْ يُخَالِفَهُ فِي سَفَرٍ إلَخْ أَرَدْنَا بِهِ السَّفَرَ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَأَخْرَجْنَا بِذَلِكَ حَجَّ الْفَرْضِ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ رُكُوبُ بَحْرٍ بِحَيْثُ يَجِبُ رُكُوبُهُ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، فَظَاهِرُ الْفِقْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لِمَا عِنْدَ الْوَالِدِ مِنْ الْخَوْفِ فِي رُكُوبِ وَلَدِهِ الْبَحْرَ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا.
وَأَمَّا سَفَرُهُ لِلْعِلْمِ الْمُتَعَيِّنِ أَوْ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ؛ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ فِي بَلَدِهِ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَقَّعُ فِي السَّفَرِ فَرَاغَ الْقَلْبِ أَوْ إرْشَادَ أُسْتَاذٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِئْذَانِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ وَكَانَ فِي سَفَرِهِ تَضْيِيعٌ لِلْوَاجِبِ، فَلِلْوَالِدِ الْمَنْعُ كَصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى يَوْمِ السَّفَرِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فِيهِ تَضْيِيعُ مَا تَقُومُ بِهِ الْكِفَايَةُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ بِسَفَرِهِ يَحْصُلُ وَقِيعَةٌ فِي الْعِرْضِ لَهَا وَقْعٌ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرَدَ وَيَخَافُ مِنْ سَفَرِهِ تُهْمَةً فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ فِي الْأُنْثَى أَوْلَى. وَأَمَّا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ فِيمَا لَا يَدْخُلُ عَلَى الْوَلَدِ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إرْشَادٍ لِلْوَلَدِ، فَإِذَا فَعَلَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عُقُوقًا وَعَدَمُ مُخَالَفَةِ الْوَالِدِ أَوْلَى. انْتَهَتْ عِبَارَةُ فَتَاوَى الْبُلْقِينِيُّ.
وَتَخْصِيصُهُ الْعُقُوقَ بِفِعْلِهِ الْمُحَرَّمِ الصَّغِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ فِيهِ وَقْفَةٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ مَعَهُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا كَانَ كَبِيرَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَوْ فَعَلَ مَعَ الْغَيْرِ كَأَنْ يَلْقَاهُ فَيَقْطِبُ فِي وَجْهِهِ أَوْ يَقْدُمُ عَلَيْهِ فِي مَلَأٍ