يُعَاقَبُ عِقَابَ الْكَاذِبِينَ غَيْرَ الْمُفْتَرِينَ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي قُوَّتِهِ: وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ إذَا كَانَ صَادِقًا، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَفِيهِ نَظَرٌ لِلْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِالْفُجُورِ. وَقَالَ فِي تَوَسُّطِهِ: وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ فِي الْخَلْوَةِ: إنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ لِصِدْقِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَقْذُوفُ الْقَذْفَ الَّذِي جَهَرَ بِهِ لَزِمَهُ الْحَدُّ مَعَ انْتِفَاءِ مَفْسَدَةِ التَّأَذِّي. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ لَكَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الْقَذْفِ فِي الْخَلْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَذْفُهُ فِي الْخَلْوَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إجْرَائِهِ عَلَى لِسَانِهِ وَبَيْنَ إجْرَائِهِ عَلَى قَلْبِهِ. اهـ. وَالْمُتَجَاوَزُ عَنْهُ بِنَصِّ السُّنَّةِ حَدِيثُ النَّفْسِ دُونَ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ، وَقَدَّمْت فِي الْكَلَامِ عَلَى الْآيَةِ أَنَّ قَذْفَ نَحْوِ الصَّغِيرِ وَالرَّقِيقِ كَبِيرَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ ثُمَّ رَأَيْت الْحَلِيمِيَّ قَالَ: قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ كَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ أُمًّا أَوْ بِنْتًا أَوْ امْرَأَةَ أَبِيهِ كَانَ فَاحِشَةً، وَقَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ. اهـ.
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَذْفَ الصَّغِيرَةِ إنَّمَا يَكُونُ صَغِيرَةً إنْ لَمْ تَحْتَمِلْ الْجِمَاعَ بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِكَذِبِ قَاذِفِهَا، وَأَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَفِي كَوْنِ قَذْفِهَا صَغِيرَةً مُطْلَقًا وَقْفَةٌ، وَلَا سِيَّمَا أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْأَمَةِ وَسَيِّدِهَا وَوَلَدِهَا وَأَهْلِهَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ سَيِّدُهَا أَحَدَ أُصُولِهِ. اهـ. وَالْمُعْتَرِضُ الَّذِي أَبْهَمَهُ الْجَلَالُ هُوَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ: وَتَخْصِيصُهُ الْقَذْفَ بِكَوْنِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ بِقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَقَذْفُ الرِّجَالِ الْمُحْصَنِينَ أَيْضًا كَبِيرَةٌ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى غَيْرِهِنَّ إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فَهُوَ كَذِكْرِهِ الْعَبْدَ فِي السِّرَايَةِ. اهـ.
وَمَرَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ» ، وَكَثِيرُونَ مِنْ الْجُهَّالِ وَاقِعُونَ فِي هَذَا الْكَلَامِ الْقَبِيحِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» .
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَيْسَرِ الْعِبَادَةِ وَأَهْوَنِهَا عَلَى الْبَدَنِ الصَّمْتُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ» ، قَالَ - تَعَالَى -: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] «وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ