الْإِيهَامِ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] مَعَ قَوْلِهِ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] وَمَعَ خَبَرِ: «لَوْ أَدْلَيْتُمْ حَبْلًا لَوَقَعَ عَلَى اللَّهِ» فَأَحَدُ تِلْكَ النُّصُوصِ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ؛ إذْ لَا يُمَكَّنُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ بِظَوَاهِرِ تِلْكَ النُّصُوصِ جَمِيعِهَا، وَإِذَا وَجَبَ تَأْوِيلُ بَعْضِهَا وَجَبَ تَأْوِيلُ كُلِّهَا. إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ عَلَى أَنَّ الْخَلَفَ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِذَلِكَ بَلْ أَوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَالِكٍ وَجَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَغَيْرِهِمَا.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَرَّرْتُهُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اعْتِقَادُهُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَا - عَنْ كُلِّ نَقْصٍ صَرِيحًا أَوْ اسْتِلْزَامًا، بَلْ وَعَنْ كُلِّ مَا لَا نَقْصَ فِيهِ وَلَا كَمَالَ، وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا اتَّصَفَ بِأَكْمَلِ الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ فِي ذَاتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ وَسَائِرِ شُؤُونِهِ وَأَفْعَالِهِ.
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ الثَّانِيَةُ: فَيَجُوزُ أَنْ يُبَدِّلَ مُحَمَّدًا فِيهَا بِأَحْمَدَ أَوْ أَبِي الْقَاسِمِ، وَالرَّسُولَ بِالنَّبِيِّ، وَيُشْتَرَطُ تَرْتِيبُ الشَّهَادَتَيْنِ. فَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَمْ يَسْلَمْ إلَّا الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَلَا النُّطْقُ بِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فَهْمُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ أَصْلِ رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَاهُ الشَّهَادَتَانِ أَوْ بِتَخْصِيصِهَا بِالْعَرَبِ، كَالْعِيسَوِيَّةِ اُشْتُرِطَ أَنْ يَقُولَ: رَسُولُ اللَّهِ إلَى كَافَّةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَالنُّطْقِ، وَلَا يَحْصُلُ الْإِسْلَامُ بِغَيْرِ مَا مَرَّ كَقَوْلِهِ: آمَنْتُ فَقَطْ أَوْ آمَنْت بِاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ أَنَا أُحِبُّهُ أَوْ أَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِثْلُهُمْ أَوْ دِينُهُمْ حَقٌّ، بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَانَ بِشَيْءٍ آمَنْت بِاَللَّهِ أَوْ أَسْلَمْت لِلَّهِ أَوْ اللَّهُ خَالِقِي أَوْ رَبِّي ثُمَّ أَتَى بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا؛ وَيُنْدَبُ أَمْرُ كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ بِالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ، وَيُشْتَرَطُ لِنَفْعِ الْإِسْلَامِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ مَا مَرَّ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِنْ آمَنَ بِذَلِكَ بِأَنْ صَدَّقَ بِهِ بِقَلْبِهِ، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ أَبَدًا، كَمَا نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ قَوْلًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إنَّ إيمَانَهُ يَنْفَعُهُ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ عَاصٍ، وَإِنْ تَلَفَّظَ بِهِمَا بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ كَافِرٌ إجْمَاعًا، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا فَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمَةً ثُمَّ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُجَدِّدَ النِّكَاحَ بَعْدَ إسْلَامِهِ.