وَاشْتَرَى بِالدِّرْهَمِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ الْجَيِّدَ خَرَجَ عَنْ الرِّبَا.
إذْ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ إلَّا عَلَى مَطْعُومٍ وَنَقْدٍ دُونَ مَطْعُومَيْنِ فَاضْمَحَلَّتْ صُورَةُ الرِّبَا، فَأَيُّ وَجْهٍ لِلتَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ؟ فَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ الَّتِي عَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَامِلِ خَيْبَرَ نَصٌّ فِي جَوَازِ مُطْلَقِ الْحِيلَةِ فِي الرِّبَا وَغَيْرِهِ إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.
وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أُولَئِكَ مِنْ قِصَّةِ الْيَهُودِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا.
وَالْأَصَحُّ الْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ خِلَافُهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَذَيْلُ الِاسْتِدْلَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا طَوِيلٌ، وَمَحَلُّ بَسْطِهِ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ.
(الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: مَنْعُ الْفَحْلِ) عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَمَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ، وَمَنْعُ الْفَحْلِ» ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إسْنَادُ حَدِيثِهِ ضَعِيفٌ وَلَا يَبْلُغُ ضَرَرُهُ ضَرَرَ غَيْرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْعَ إعَارَةِ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَوْ اُضْطُرَّ أَهْلُ نَاحِيَةٍ إلَى فَحْلٍ لِفَقْدِ غَيْرِهِ بِنَاحِيَتِهِمْ، فَحِينَئِذٍ لَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ تَمْكِينِهِ مِنْ الضِّرَابِ لِأَنَّ فِي وِلَادَةِ الْإِنَاثِ حَيَاةً لِلْأَرْوَاحِ وَلَلْأَبَدَانِ بِالْأَلْبَانِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَجَّانًا.
فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْإِجَارَةُ هُنَا، وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ وَهُوَ بَيْعُ ضِرَابِهِ أَوْ مَائِهِ أَوْ أُجْرَةُ ضِرَابِهِ؟ قُلْت: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ صَاحِبُ الْأُنْثَى الْفَحْلَ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ زَمَنًا مُعَيَّنًا وَلَوْ سَاعَةً لَأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَا شَاءَ فَتَصِحَّ هَذِهِ الْإِجَارَةُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِهَا، وَيَسْتَوْفِيَ مَنَافِعَهُ وَلَوْ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى أُنْثَاهُ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ قَصْدًا يَجُوزُ لَهُ تَبَعًا.