السُّؤَالِ إنَّهَا مُخَدِّرَةٌ وَبُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ لَكِنْ إنْ كَانَ لِجَهْلِهِ عُذِرَ. وَبَعْدَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ مَتَى زَعَمَ حِلَّهَا أَوْ عَدَمَ تَخْدِيرِهَا وَإِسْكَارِهَا يُعَزَّرُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ، بَلْ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَأَقَرَّهُ أَهْلُ مَذْهَبِهِ مَنْ زَعَمَ حِلَّ الْحَشِيشَةِ كَفَرَ.
فَلْيَحْذَرْ الْإِنْسَانُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الْمَذْهَبِ الْمُعَظَّمِ. وَعَجِيبٌ مِمَّنْ خَاطَرَ بِاسْتِعْمَالِ الْجَوْزَةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ وَالْإِثْمِ لِأَغْرَاضِهِ الْفَاسِدَةِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَغْرَاضَ تَحْصُلُ جَمِيعُهَا بِغَيْرِهَا. فَقَدْ صَرَّحَ رَئِيسُ الْأَطِبَّاءِ ابْنُ سِينَا فِي قَانُونِهِ بِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهَا وَزْنُهَا وَنِصْفُ وَزْنِهَا مِنْ السُّنْبُلِ، فَمَنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُ مِنْهَا قَدْرًا مَا ثُمَّ اسْتَعْمَلَ وَزْنَهُ وَنِصْفَ وَزْنِهِ مِنْ السُّنْبُلِ حَصَلَتْ لَهُ جَمِيعُ أَغْرَاضِهِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الْإِثْمِ وَالتَّعَرُّضِ لِعِقَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، عَلَى أَنَّ فِيهَا بَعْضَ مَضَارَّ بِالرِّئَةِ ذَكَرَهَا بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ وَقَدْ خَلَا السُّنْبُلُ عَنْ تِلْكَ الْمَضَارِّ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهَا وَزَادَ عَلَيْهِ بِالسَّلَامَةِ مِنْ مَضَارِّهَا الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى جَوَابِي فِي الْجَوْزَةِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّفَائِسِ.
وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ أَنَّ الْحَشِيشَةَ نَجِسَةٌ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَغَلَطٌ. وَفِي كِتَابِ [السِّيَاسَةِ] لِابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ فِي الْحَشِيشَةِ كَالْخَمْرِ، قَالَ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ جَمَادًا وَلَيْسَتْ شَرَابًا تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي نَجَاسَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: فَقِيلَ نَجِسَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَيَحْرُمُ إطْعَامُ الْحَشِيشَةِ الْحَيَوَانَ أَيْضًا لِأَنَّ إسْكَارَهُ حَرَامٌ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتْلِفِهَا كَالْخَمْرِ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْقُطْبِ الْعَسْقَلَانِيُّ أَنَّهَا حَارَّةٌ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ يَابِسَةٌ فِي الْأُولَى تُصَدِّعُ الرَّأْسَ، وَتُظْلِمُ الْبَصَرَ، وَتَعْقِدُ الْبَطْنَ، وَتُجَفِّفُ الْمَنِيَّ. فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ وَطَبْعٍ مُسْتَقِيمٍ اجْتِنَابُهَا كَغَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَضَارِّ الَّتِي هِيَ مَبْدَأُ مَدَاعِي الْهَلَاكِ، وَرُبَّمَا نَشَأَ مِنْ تَجْفِيفِ الْمَنِيِّ وَصُدَاعِ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِمَا أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ وَالْمَضَارِّ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ وَإِلَيْهِ انْتَهَتْ رِئَاسَةُ زَمَنِهِ فِي مَعْرِفَةِ النَّبَاتِ وَالْأَعْشَابِ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لِقَوِيِّ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ: وَمِنْ الْقُنَّبِ الْهِنْدِيِّ نَوْعٌ ثَالِثٌ يُقَالُ لَهُ الْقُنَّبُ وَلَمْ أَرَهُ بِغَيْرِ مِصْرَ، وَيُزْرَعُ فِي الْبَسَاتِينِ وَيُسَمَّى بِالْحَشِيشَةِ أَيْضًا وَهُوَ يُسْكِرُ جِدًّا إذَا تَنَاوَلَ مِنْهُ الْإِنْسَانُ يَسِيرًا قَدْرَ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ حَتَّى إنَّ مَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ إلَى حَدِّ الرُّعُونَةِ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ قَوْمٌ فَاخْتَلَتْ عُقُولُهُمْ وَأَدَّى بِهِمْ الْحَالُ إلَى الْجُنُونِ وَرُبَّمَا قَتَلَتْ. قَالَ الْقُطْبُ: وَقَدْ نُقِلَ لَنَا أَنَّ الْبَهَائِمَ لَا تَتَنَاوَلُهَا، فَمَا