فِي مُجَرَّدِ السُّؤَالِ بِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفِي مَنْعِ السَّائِلِ بِذَلِكَ لَا عَنْ اضْطِرَارِهِ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَتِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته.

فَإِنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَفِيهِ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ وَقَدْ تَنْقَلِبُ الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمُّ إلَيْهَا، وَتَنْقَلِبُ الْكَبِيرَةُ فَاحِشَةً بِانْضِمَامِ قَرِينَةٍ إلَيْهَا إلَّا الْكُفْرَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّهُ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ مِنْ نَوْعِهِ صَغِيرَةٌ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْت، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْعُ الزَّكَاةِ كَبِيرَةٌ وَرَدُّ السَّائِلِ صَغِيرَةٌ، فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى مَنْعِهِ، أَوْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَى الْمَنْعِ الِانْتِهَارَ وَالْإِغْلَاظَ فَذَاكَ كَبِيرَةٌ، وَهَكَذَا إنْ رَأَى مُحْتَاجٌ رَجُلًا مُوَسَّعًا عَلَيْهِ عَلَى طَعَامٍ فَتَاقَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَسَأَلَهُ مِنْهُ فَرَدَّهُ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ. انْتَهَى.

وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ رَدَّ السَّائِلِ صَغِيرَةٌ وَأَنَّ رَدَّ الْمُحْتَاجِ - الَّذِي تَاقَتْ نَفْسُهُ وَسَأَلَ مِنْ الْمُوسِرِ فَرَدَّهُ - كَبِيرَةٌ مُشْكِلَانِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ، وَكَلَامُهُ بَعِيدٌ مِنْ التَّأْوِيلِ انْتَهَى.

قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ.

قُلْت: يُحْمَلُ كَلَامُهُ الثَّانِي عَلَى الْمُضْطَرِّ وَالْأَوَّلُ عَلَى سَائِلٍ لِمَنْ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ فِي بَلَدٍ فُقَرَاؤُهُ مَحْصُورُونَ انْتَهَى.

فَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ تَأْوِيلًا لِكَلَامِ الْحَلِيمِيِّ صَرِيحٌ فِي تَأْيِيدِ مَا ذَكَرْته. نَعَمْ إطْلَاقُ الْجَلَالِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ آخِرًا صَغِيرَةٌ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُمْ إذَا انْحَصَرُوا فِي ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ مِنْ صِنْفٍ مَلَكُوا الزَّكَاةَ مِلْكًا تَامًّا مُسْتَقِرًّا، فَمَنْعُ أَحَدِهِمْ حِينَئِذٍ كَبِيرَةٌ بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ انْحَصَرُوا حَصْرًا يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِيعَابِهِمْ عَلَى الْمَالِكِ بِأَنْ سَهُلَ ضَبْطُهُمْ عَلَيْهِ عَادَةً وَوَفَّى الْمَالُ بِهِمْ اُتُّجِهَ أَنَّ الرَّدَّ حِينَئِذٍ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ فَكَانَ الرَّدُّ صَغِيرَةً لَا كَبِيرَةً، وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْجَلَالِ.

[خَاتِمَةٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِ الصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا وَأَنْوَاعِهَا]

: وَقَدْ أَلَّفْت فِيهَا كِتَابًا حَافِلًا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ مِثْلِهِ فَضَائِلَ وَأَحْكَامًا وَفَوَائِدَ وَفُرُوعًا فَعَلَيْك بِهِ.

اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَسْرُدُهُ فِي هَذِهِ الْخَاتِمَةِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ إلَّا قَلِيلًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015