وقَوْله تَعَالَى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8] وقَوْله تَعَالَى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] وقَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] وَقَالَ تَعَالَى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى: 10] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] .
وَكُلُّ مَا دَلَّ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الْخَوْفِ، لِأَنَّ الْخَوْفَ ثَمَرَةُ الْعِلْمِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اقْشَعَرَّ جَسَدُ الْعَبْدِ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنْ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَرَقُهَا» .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، إنْ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: كُلُّ قَلْبٍ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ اللَّهِ فَهُوَ خَرَابٌ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: الْبُكَاءُ عَلَى الْخَطِيئَةِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ كَمَا يَحُطُّ الرِّيحُ الْوَرَقَ الْيَابِسَ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَوْ نُودِيَ لِيَدْخُلْ الْجَنَّةَ كُلُّ النَّاسِ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا لَخَشِيتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الرَّجُلَ، وَهَذَا عُمَرُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَدْ بَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ سَأَلَ حُذَيْفَةَ - صَاحِبَ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُنَافِقِينَ وَالْفِتَنِ - فَقَالَ لَهُ: يَا حُذَيْفَةُ هَلْ أَنَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ لَسْتَ مِنْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَخَافَ عُمَرُ أَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ قَدْ لَبَّسَتْ عَلَيْهِ وَسَتَرَتْ عُيُوبَهُ عَنْهُ، وَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَعْدُ مَشْرُوطًا بِشُرُوطٍ لَمْ تَحْصُلْ مِنْهُ فَلَمْ يَغْتَرَّ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بَكَى أَبُونَا آدَم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ ثَلَاثَمِائَةِ عَامٍ حَتَّى جَرَتْ أَوْدِيَةُ سَرَنْدِيبَ مِنْ دُمُوعِهِ، وَسَرَنْدِيبُ مَحَلٌّ مِنْ الْهِنْدِ أَعْدَلُ الْبِلَادِ مُطْلَقًا نَزَلَ بِهِ آدَم حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ فِيهِ مُفَارَقَةُ الْجَنَّةِ إضْرَارًا بَيِّنًا، وَلَوْ نَزَلَ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَعْتَدِلْ حَرُّهُ وَبَرْدُهُ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ لَأَضَرَّ بِهِ إضْرَارًا بَيِّنًا. وَقَالَ وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ: لَمَّا عَاتَبَ اللَّهُ تَعَالَى نُوحًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِهِ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46] بَكَى ثَلَاثَمِائَةِ عَامٍ حَتَّى صَارَ فِي خَدَّيْهِ أَمْثَالُ الْجَدَاوِلِ أَيْ الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ مِنْ الْبُكَاءِ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ دَاوُد يَبْكِي حَتَّى يَبِلَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ دُمُوعِهِ، وَيَبْكِي حَتَّى يَنْبُتَ الْعُشْبُ مِنْ دُمُوعِهِ، ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتُهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ