فالزوجة إذًا هي السكن كله، سكن القلب، وسكن الجوارح، وسكن الحواس، وسكن الفكر، هي الاستقرار الكامل، وهذا السكن مصحوب بالمودة والرحمة من الطرفين، فهي اللباس الذي يلبسه الرجل، فيلصق بجسمه، فيجد فيه الظل والدفء والستر، فيستر به جسمه وعورته، كما أنه لباس لها، تجد فيه الظل والدفء، والستر، فتستر به جسمها وعورتها.

قال ابن عباس في معنى قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}؛ قال: (هن سكن لكم وأنتم سكن لهن)، وهو قول مجاهد وقتادة والسدي (?).

والزواج بنية الطلاق لا يتحقق به السكن الدائم، الذي أراده الشارع، كما في تفسير ابن عباس وغيره.

قال ابن جرير: (فإن قال قائل وكيف يكون نساؤنا لباسًا لنا، ونحن لباسًا لهن، واللباس إنما هو ما لبس، قيل لذلك وجهان من المعاني؛ أحدهما: أن يكون كل واحد منهما جعل لصاحبه لباسًا لاجتماعهما عند النوم في ثوب واحد، وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبه بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه فقيل لكل واحد منهما هو لباس لصاحبه.

والوجه الآخر: أن يكون جعل كل واحد منهما لصاحبه لباسًا لأنه سكن له كما قال جل ثناؤه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47]، يعني بذلك سكنًا تسكنون فيه، وكذلك زوجة الرجل سكنه، يسكن إليها كما قال تعالى ذكره: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]. فيكون كل واحد منهما لباسًا لصاحبه بمعنى سكونه إليه، ثم قال: فجائز أن يكون قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} بمعنى أن كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015