الزهره (صفحة 164)

أجدكَ لا تنسى ولا أنت ذاكراً ... خليلك إلاَّ ارفضَّت العين تَذرفُ

ولقد أحسن الَّذي يقول:

عزَّ من ظنَّ أن يفوتَ المنايا ... والمنايا قلائدُ الأعناقِ

إنَّما عجلت سهام المنايا ... فالذي أخّرت سريع اللِّحاقِ

قلتُ للفرقدين واللَّيل مُلقٍ ... سود أكنافه علَى الآفاقِ

أبقيا ما بقيتما فسيرمى ... بين شخصيكما بسهم الفراقِ

وقال آخر:

لعمري لقد راعت أُمامة طلعتي ... وإن ثوابي عندها لقليلُ

يقول أراه غرّه لاهياً به ... وذلك خطبٌ لو علمت جليلُ

فلا تحسبي أنِّي تناسيتُ عهده ... ولكنَّ صبري يا عُميمُ جميلُ

وقال آخر:

بأبي وأمي من عبأتُ حَنوطهُ ... بيدي ومن بوَّأتُهُ لَحْدا

فارقتُه لا أشتكي لفِراقه ... وخُلقتُ يومَ خُلقتُ جَلْدا

ولأبي العتاهية:

قدم العهدُ وأسلاني الزَّمنْ ... إن في القبر لمسلى والكفن

وكما تَبْلى وجوهٌ في الثوى ... فكذا يبلى عليهن الحَزنْ

وقال آخر في ابنٍ له:

أجارتَنا لا تجزعي وأنيبي ... أتاني من الموت المُطلِّ نصيبي

عجبتُ لإسراع المنيَّة نحوهُ ... وما كان لو كليتُه بعجيبِ

يؤمل عيشاً في حياة ذميمةٍ ... أضرَّتْ بأبدانٍ لنا وقلوبِ

وما خير عيش لا يزال مُقرَّعاً ... بفوت نعيمٍ أوْ بموت حبيبِ

لعمري لقد دافعت يوم محمدٍ ... لو أن المنايا ترعوي لطبيب

وقال أعرابيّ وقتل أخوه ابناً له، فقدم ليقتاد منه، فلما أهوى بالسيف ارتعد زنده فألقى السَّيف وعفا عنه وقال:

أقول للنفس تأنيباً وتعزيةً ... إحدى يديّ أصابتني ولم تُرد

كلاهما خَلَفٌ من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي

وقال أبو خراش:

حمدتُ إلهي بعد عروة إذْ نجا ... خراشٌ وبعض الشرِّ أهونُ من بعض

علَى أنَّها تعفو الكُلوم وأنَّها ... توكّل بالأدنى وإنْ جلَّ ما مضى

فوالله لا أنسى قتيلاً رُزئته ... فجانب قوسي ما مشيت علَى الأرض

ولم أدرِ من ألقى عليه رداءه ... علَى أنَّه قد شلّ عن ماجد محض

وقال هشام أخو ذي الرّمَّة:

تسلّيتُ عن أوفى بغيْلان بعدَه ... عزاءً وجَفنُ العين بالدمع مُتْرَعُ

ولم تُنسني وفى المصائبُ بعده ... ولكنّ نكأ القرح بالقرح أوجعُ

وقال آخر:

فكان سنانٌ من هريم خليقةً ... وحصناً وأمراً سالماً يتعتبُ

كواكبُ دجن كلما انقض كوكبٌ ... بدا وانجلت عنه الدجنة كوكبُ

وقال أوس بن حجر وكان فيما ذكر أبو عبيدة شاعر مضر حتَّى نشأ زهير والنابغة فوضعا منه ولكنه شاعر تميم غير مدافع:

أيتُها النَّفسُ اجملي طَمعا ... إنَّ الَّذي تحْذرينَ قد وقَعا

إنَّ الَّذي جمعَ السماحة والنجدةَ ... والبأسَ والنَّدَى جمعا

وهذا أتمُّ في الحال ممَّا ذكرناه قبله أنَّه تسلَّى عن منيته بغيره لأن هذا جعل النَّاس وحده سبباً لتسلية نفسه وأولئك جعلوا حياة الباقي سبباً للتسلي عن المضي. وهذا يعتوره حالان من النقصان أحدهما تقصير بالماضي إذْ كان من بعده يُسلّي فقده، ويسدُّ موضعه. والثاني تقصير القائل بنفسه إذْ جعلها غير منقادة له في التسلِّي عن من يئست منه إلاَّ بإقامة عوض ينوب عنه. وقال رجل لعمر بن عبد العزيز عند وفاة ابنه عبد الملك:

تعزّ أميرَ المؤمنين فإنَّه ... لما قد ترى يُغذي الصغيرُ ويولدُ

هل ابنُك إلاَّ من سلالةِ آدمٍ ... لكُلٍّ علَى حوض المنيَّةِ موْرِدُ

ولما قتل بُسْر بن أرطاة عمرو بن أراكة جزع عليه أخوه عبد الملك:

لعمري لئن أتْبعتَ عينيك ما مضى ... به الدَّهرُ أوْ ساقَ الحِمامُ إلى القبرِ

لتَسْتنفدَن ماء الشؤون بأسرهِ ... ولو كنتَ تَمريهنَّ من لجج البحرِ

تبيَّنْ فإنْ كان البُكا ردَّ هالكاً ... علَى أحد فاجهدْ بُكاك علَى عمرو

ولا تبك ميتاً بعد ميتٍ أجنَّهُ ... عليُّ وعباسٌ وآلُ أبي بكرِ

وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:

ترى المرء يبكيه إذا مات قبله ... وموت الَّذي يبكي عليه قريبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015