الزهره (صفحة 120)

وما وجدُ مِلْواحٍ منَ الهيمِ خُلِّيتْ ... عن الماءِ حتَّى جوْفُها مُتصلصلُ

تحومُ وتغشاها العصيُّ وحولها ... أقاطيعُ أنعامٍ تعلُّ وتنهلُ

بأكثرَ منِّي غلَّةً وتعطُّفاً ... إلى الوردِ إلاَّ أنَّني أتجمَّلُ

وقال ابن الدمينة:

وكنَّا كريمَيْ معشرِ حُمَّ بيننا ... تصافٍ فصُنَّاهُ بحسنِ صوانِ

سيبقى فلا يفنى ويخفى فلا يُرى ... وما علموا من أمرنا ببيانِ

وقال ذو الرمة:

فما زلتُ أطوي النَّفسَ حتَّى كأنَّها ... بذي الرِّمثِ لم تخطرْ علَى قلبِ ذاكرِ

حياءً وإشفاقاً منَ الرَّكبِ أن يروا ... دليلاً علَى مستودعاتِ السَّرائرِ

ولعَمري إنَّ هذه الحال لجميلةٌ بين أهل الصَّفاء غير أنَّها من الأعداء أحسن منها من الأولياء إذْ ليس عجيباً أن يكتم الوليُّ سرَّ وليِّه كما يعجب من كتمان العدوِّ سرَّ عدوِّه.

وقد قال بعض أهل هذا العصر في هذا النحو:

وإنِّي وإن شاعتْ لديكَ سرائري ... فإنَّ الَّذي استودعتني غيرُ شائعِ

أبى اللهُ لي إلاَّ الوفاءَ لكلِّ منْ ... رعى ليَ عهدي أوْ أضاعَ ودائعي

فكُنْ آمناً من أنْ أُذيعَ بسرِّكمْ ... فما سرُّ أعدائي لديَّ بذائعِ

وما أنا ممدوحاً بحفظِ وديعةٍ ... أقلُّ حقوقِ النَّاسِ حفظُ الودائعِ

وقال آخر:

لعَمركَ ما استودَعْتُ سرِّي وسرَّها ... سوانا حِذاراً أن تضيعَ السَّرائرُ

ولا خاطبتْها مُقلتايَ بلحظةٍ ... فتعرفَ نجوانا العيونُ النَّواظرُ

ولكنْ جعلتُ الوهمَ بيني وبينها ... رسولاً فأدْني ما تجنُّ الضَّمائرُ

أصونُ الهوَى بُقيا عليهِ منَ العد ... ى مخافةَ أن يُغرى بذكراهُ ذاكرُ

وقال آخر:

تواقفَ معشوقانِ من غيرِ موعدٍ ... وغُيِّبَ عن نجواهُما كلُّ كاشحِ

وكلَّتْ جفونُ العينِ عن حملِ مائها ... فما ملكتْ فيضَ الدُّموعِ السَّوافحِ

وإنِّي لأطوي السِّرَّ عن كلِّ صاحبٍ ... وإن كانَ للأسرارِ عدْلَ الجوانحِ

وأنشدني أبو العباس أحمد بن يحيى لعمر بن أبي ربيعة:

جرى ناصحٌ بالوُدِّ بيني وبينها ... فقرَّبني يومَ الحِصابِ إلى قتلي

فلمَّا تواقفنا عرفْتُ الَّذي بها ... كمثلِ الَّذي بي حذوكَ النَّعلَ بالنَّعلِ

فسلَّمتُ فاستأنستُ خيفةَ أن يرى ... عدوٌّ مكاني أو يرى كاشحٌ فعلي

فقالتْ وألقتْ جانبَ السِّترِ إنَّما ... معي فتكلَّمْ غيرَ ذي رقبةٍ أهلي

فقلتُ لها ما بي لكمْ من ضراعةٍ ... ولكنَّ سرِّي ليسَ يحملهُ مثلي

وأنشدني أحمد بن أبي طاهر:

ألا حبَّذا حبِّي وأرضٌ يحلُّها ... وثوبٌ عليها في الثِّيابِ رقيقُ

وفي القلبِ من حبِّي الَّذي ما درى بهِ ... عدوٌّ ولم يظهرْ عليهِ صديقُ

وقال آخر:

خشيتُ لساني أن يكونَ خؤونا ... فأودعْتُهُ قلبي فكانَ أمينا

وقلتُ ليخفى دونَ عيني وناظري ... أيا حركاتي كنَّ فيهِ سكونا

فما إنْ رأتْ عيني لعينيَ قطرةً ... ولا سمعتْ أُذني لفِيَّ أنينا

لقد أحسنتْ أحشايَ تربيةَ الهوَى ... فها هو ذا كهلاً وكان جنينا

ولم أرَ قلباً خالياً أُودعَ الهوَى ... فدانَ لهُ حتَّى اصطفاهُ قرينا

وقال ابن ميادة:

وإنِّي لِما استودعْتُ يا أمَّ مالكٍ ... علَى قدمٍ من عهدهِ لكَتومُ

وإنِّي علَى الشَّوقِ الَّذي أنا داخلٌ ... إذا باحَ أصحابُ الهوَى لضمومُ

وقال آخر:

وحبٍّ كأطباقِ البحارِ كتمتهُ ... معَ القلبِ لم يعلمْ بهِ منْ أُلاطفُ

وإنِّي أكُمُّ السِّرَّ حتَّى أردَّهُ ... سليمَ الصَّفا لم تمتهنْهُ الزَّعانفُ

وأُخفي منَ الوجدِ الَّذي ما لوَ انَّهُ ... يشيعُ لحرَّ الموطناتِ الألايفُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015