وقال ابن قتيبة (?) : معنى الحديث: لقي الله مجذوماً. ورد على أبي عبيد (?) قوله، وقال: اليد ليس لها ذنب في نسيان القرآن، وإنما يعاقب ناسي القرآن بالجذام، لأن القرآن كان يدفع عن جميع جسده العاهات، فلما نسيه أصابه الداء الذي يفسد جميع جسده، لتكون العقوبة على حسب الذنب، كما عوقب اللسان بالقطع، وكما عوقب الخطباء المذمومون بتقريض الشفاه في النار، وغير هذا مما يطول تعديده.

وقول أبي عبيد هو الصواب عندي، وقول ابن قتيبة خطأ من ثلاثة أوجه:

أحدهن الحديث الذي فسر فيه الأجذم الذي ليست له يد، وقد تقدم ذكره.

والحجة الثانية: أن لعقاب لو كان لا يقع إلا بالجارحة التي باشرت المعصية، لم يعاقب الزاني بالنار في الآخرة، وبالجلد والرجم في الدنيا. لأنه إذا جُلِدَ ظهره كان غير العضو الذي باشر المعصية، وكذلك إذا أحرقت النار يديه ورجليه، (303) أحرقتهن وهن غير مباشرات للزنا، ومثل هذا كثير.

والحجة الثالثة: قول النبي: (يحشر الناس يوم القيامة بُهْماً) (?) . أي: يحشرون أصحاء الأجسام لخلود الأبد، إمّا في الجنة وإمّا في النار، ليست بهم عاهة من عمىً ولا جُذام ولا بَرَص. هذا تفسير أبي عبيد (?) . وقد اعترف ابن قتيبة بصحته. فمن علم أن الناس يحشرون أصحاء من العاهات، كيف يخبر أن ناسي القرآن يحشر مجذوماً، والجذام من أعظم العاهات؟

فإذا احتج علينا بأن انقطاع اليد عاهة، احتججنا عليه بأنّ " اليد " يُراد بها: الحُجَّة، أي: بلقاء الله تعالى أقطع الحجة، ويده في ذاتها صحيحة. والعرب تسمي " الحجة " في المجاز " يداً "، فتقول: الصحيح اليد، ويقول الرجل لمخاطبه: 220 / أقطعت يدي ورجلي، / أي: ذهبت بحجتي وما أعول عليه. ومنه قولهم: مالي بهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015