رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على عدم وجوب الجهاد على الجميع قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} فتحمل هذه الآية على أنه قد قام بالجهاد من المسلمين من يكفي وأن الإمام لم يستنفر غير من قد خرج للجهاد وبهذا تعرف أن الجمع بين هذه الآيات ممكن فلا يصار إلى القول بالترجيح أو النسخ وأما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية ولأجله بعث الله تعالى رسله وأنزل كتبه وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعثه الله سبحانه إلى أن قبضه إليه جاعلا هذا الأمر من أعظم مقاصده ومن أهم شؤنه وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها وما ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم وأما غزو البغاة إلى ديارهم فإن كان ضررهم يتعدى إلى أحد من أهل الإسلام إذا ترك المسلمون غزوهم إلى ديارهم فذلك واجب دفعا لضررهم وإن كان ضررهم لا يتعدى فقد أخلوا بواجب الطاعة للإمام والدخول فيما دخل فيه سائر المسلمين ولا شك أن لك معصية عظيمة لكن إذا كانوا مع هذا مسلّمين للواجبات غير ممتنعين من تأدية ما يجب تأديته عليهم تركوا وشأنهم مع تكرير الموعظة لهم وإقامة الحجة عليهم وأما إذا امتنعوا من ذلك فقد تظاهروا بالبغي وجاهروا بالمعصية وقد قال الله عز وجل: {إِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وقد أجمع الصحابة على العزيمة التي عزمها أبو بكر الصديق رضي الله عنه من المقاتلة لمن فرق بين الصلاة والزكاة وسيأتي الكلام على صفة مقاتلة البغاة في الفصل الذي عقده الماتن لذلك "مع كل بر وفاجر" لأن الأدلة الدالة على وجوب الجهاد من الكتاب والسنة وعلى فضيلته والترغيب فيه وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلا بل هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله تعالى على عباده المسلمين من غير تقييد بزمن أو مكان أو شخص أو عدل أو جور فتخصيص وجوب الجهاد بكون السلطان عادلا ليس عليه أثارة من علم وقد يبلي الرجل الفاجر في الجهاد ما لا يبليه البار العادل وقد وجد بهذا الشرع كما هو معروف وأخرج أحمد في المسند من