ومضى خالد (?) رضي الله عنه حتى نزل منزله باليمامة في بعض أوديتها، وخرج الناس مع مسيلمة، ورتب خالد صفوفه، ثم وضع فسطاطه واضطجع عليه، وسلَّتْ بنو حنيفة السيوف فقال خالد رضي الله عنه: يا معشر المسلمين أبشروا فقد كفاكم الله عدوّكم، ما سلوا السيوف من بعيد إلا ليرهِبونا، وان هذا منهم لجبنٌ وفشل، فقال له مجاعة - وكان أسيراً عنده -: كلا والله يا أبا سليمان، ولكنها الهندوانية خشوا من تحطمها، وهي غداة باردة، فابرزوها للشمس لأن تسخن متونها، فلما دنوا من المسلمين نادوا: إنا نعتذر من سلّنا سيوفنا حين سللناها، والله ما سللناها ترهيباً لكم ولا جُبْناً عنكم، ولكها الهندوانيّة، وكانت غداة باردة فخشينا تحطمها، فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم، فسترون. قال: فاقتتلوا قتالاً شديداً، وصبر الفريقان جميعاً صبراً طويلاً حتى كثرت القتلى والجراح في الفريقين، واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا إلا قليلاً، وهزم كِلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين والمشركون عسكر المسلمين مراراً، وقُتِل أصحاب الرايات، ومكثتِ الراية ساعة لا يرفعها أحد، فحملها يزيد بن قيس، وكان بدرياً، حتى قُتِل وهُزم المسلمون ثلاث مرات، وفي الرابعة تاب الله عليهم وثبَّت أقدامهم وصبروا لوقع السيوف، واختلف بينهم وبين بني حنيفة السيوف حتى رئيت شهب النار تخرج من خلالها، وسمع لها أصوات كالأجراس، وأنزل الله نصره وهزم بني حنيفة، وقتل الله مسيلمة، والقصة أطول من هذا (?) .
وكانت طسم وجديس نزلوا البحرين واليمامة، فمكثوا برهة وبلادهم أفضل البلاد وأكثرها خيراً وحدائق ملتفة وقصور مصطفّة، إلى أن غمصوا الحقَّ وانتهكوا الحرمة، فبدَّل الله نعمتهم وتقاتلوا ففنوا.
وقيل إن تبعاً الأخير خرج بجيش عظيم فعدموا الماء، وعطش الجيش، فحفر كل أحد منهم قبره وهو حي من شدة العطش، فمرَّت بهم يمامة فقال لهم تبع: اتبعوها فإنها إنما ترد الماء، فاتبعوها فأصابوها نازلة على نهر، وهو الفرات، فنزلوا عليه فشربوا واستقوا.
على تسعة برد من المدينة في طريق مكة.
قالوا: ومِنَ الجار إلى الينبع، وهو الوادي الذي فيه ضياع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أربعون ميلاً.
ومنها أبو دلف الخزرجي الينبعي، ذكره الثعابي في " اليتيمة " (?) وكان شاعراً متشيعاً، وهو القائل:
دارَ السلام هنيئا ... بدعوة ابن الرسولِ
جاء النهار ووَّلى ... ظلام تلك الذحول
ما إنْ رأيتُ حصاناً ... حماله في النصول قال ذلك للبساسيري القائُم بدعوة المستنصر العبيدي خليفة مصر، وذلك سنة خمسين وأربعمائة.
هو جبل قريب من البحر المحيط، وهو من أعلى جبال الأرض، أجرد أبيض التربة، لا ينبت فيه إلا الشيح والغاسول، وهو الحرض، ومن علو هذا الجبل في الهواء أن السحاب تمطر المطر دونه ولا يصيب رأسه.
ويلي هذه الأرض التي عندها هذا الجبل، الصحراء (?) التي يدخل المسافرون منها إلى أودغست وغانة وغيرهما من البلاد، وهذه الصحراء قليلة الإنس لا عامر بها، وبها الماء القليل، ويتزودونه من مجابات معلومة. وفي هذه الصحراء حيات كثيرة طويلة القدود غليظة الأجسام، والسودان يصيدونها ويقطعون رؤوسها ويرمون بها ويطبخونها بالماء والملح والشيح ويأكلونها، وهي عندهم أطيب طعام يأكلونه، وهذه الصحراء يسلكها المسافرون في زمن الخريف، فيوقرون أجمالهم في السَّحَر الأخير، ويمشون إلى أن تطلع الشمس فيحطون أحمالهم (?) ويقيدّونها، ويفرشون أمتعتهم ويخيمون على أنفسهم ظلالاً تكنّهم من حرّ الهجير وحموم القائلة، ويقيمون كذلك إلى أول وقت العصر وحين تأخذ الشمس في الميل والانحطاط في جهة المغرب، فيرحلون من هنالك ويمشون بقية