قال: نعم وأستعين بالله عليه، فقال: أعطوه فرساً ورمحاً وسيفاً وترساً فقال: يا أمير المؤمنين أنا بقوسي أوثق، ورمحي في يدي أسد (?) ، ولكن قد قبلت السيف والترس، فلبس السلاح، واستدناه الرشيد فودعه وأتبعه الدعاء، وخرج معه عشرون من المطوعة.
فلما انقض (?) في الوادي قال لهم العلج وهو يعدهم واحداً واحداً: إنما كان في الشرط عشرون وقد ازددتم رجلاً، ولكن لا بأس، فنادوه: ليس يخرج إليك منا إلا رجل واحد، فلما فصل منهم ابن الجزري تأمله العلج وقد أشرف أكثر الروم من الحصن يتأملون صاحبهم، فقال له الرومي: أتصدقني عما أسألك عنه؟ قال: نعم، قال: أنت ابن الجزري بالله؟ قال: اللهم نعم، ثم أخذا في شأنهما، فاطعنا حتى طال الأمر بينهما، وكاد الفرسان يقومان تحتهما، وليس منهما واحد خدش صاحبه، ثم رميا برمحيهما، هذا نحو أصحابه وهذا نحو حصنه، وانتضيا سيفيهما وقد اشتد الحر عليهما وتبلد جواداهما فجعل ابن الجزري يضرب الرومي الضربة التي يظن أنه بالغ فيها، فيتقيها الرومي، وكانت درقته حديداً، فيسمع بذلك صوت منكر، ويضربه الرومي فينغرز سيفه (?) لأن ترس ابن الجزري كان درقة ثبتية، وكان العلج يخاف أن يعض السيف (?) فيعطب، فلما يئس كل واحد منهما من صاحبه انهزم ابن الجزري، فدخلت الرشيد والمسلمين كآبة لم يصبهم مثلها، وفرح المشركون، وإنما كانت حيلة من ابن الجزري، فاتبعه العلج وعلا عليه، فلما تمكن منه ابن الجزري رماه بوهق، فاختطفه من سرجه، ثم عطف عليه، فما وصل إلى الأرض حتى فارقه رأسه، فكبر المسلمون وانكسر المشركون وبادروا الباب ليغلقوه.
واتصل الخبر بالرشيد فصاح بالقواد أن يجعلوا في حجارة المنجنيق النار، فليس عند القوم دفع بعد هذا، وعاجلهم المسلمون إلى الباب فدخلوها بالسيف، وقيل إنهم بادروا بالأمان، وافتتاحها عنوة أشهر من قول من قال فتحت صلحاً، قال الشاعر في ذلك (?) :
هوت هرقلة لما أن رأت عجباً ... حوائماً (?) ترتمي بالنفط والنار
كأن نيرانها في جنب قلعتهم ... معلقات (?) على أرسان قصار وصبت الأموال على ابن الجزري وقود وخلع عليه، فلم يقبل شيئاً من ذلك، وسأل أن يعفى ويترك على ما هو عليه، وفي ذلك يقول أبو العتاهية:
ألا نادت هرقلة بالخراب ... من الملك الموفق للصواب
غدا هارون يوعد بالمنايا ... ويبرق بالمذكرة القضاب
ورايات يحل النصر فيها ... تمر كأنها مر السحاب
أمير المؤمنين ظفرت فاسلم ... وابشر بالغنيمة والإياب
بلد قديم قريب من المهدية على طريقها من تونس.
بلد في خراسان بقرب بوشنج، وهي مدينة عامرة لها ربض محيط بها من جوانبها، وداخلها مياه، والنهر جار على باب المدينة وعليه قنطرة، وعلى سائر أبوابها مياه جارية وبساتين، إلا أن الباب الذي عليه القنطرة لا ترى بعد عبورك لها جرية ماء ولا اخضرار نبات وماء هراة (?) يخرج من قرب مخرج ماء مرو، ويجري في