دعوت عليها إلاهي الذي أعبد أهلكها، وهو الله وحده لا شريك له، فقال له سيده: فافعل فإنك إن فعلت دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه، فقام فيميون فتطهر وصلى ركعتين، ثم دعا الله تعالى عليها، فأرسل الله عز وجل عليها ريحاً فجعفتها من أصلها فألقتها، فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه، فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم عليه السلام، ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض، فمن هناك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب.
قالوا (?) : وكان في قرية من قرى نجران ساحر يعلم أهل نجران السحر، فلما نزلها، فيميون ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية، فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر، فبعث الثامر ابنه عبد الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران، فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته، فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله تعالى وعبده، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام، حتى إذا تعلم جعل يسأله عن الاسم الأعظم، وكان يعلمه، فكتمه إياه وقال له: يا ابن أخي إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، والثامر أبو عبد الله لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضن به عنه عمد إلى قداح، ثم لم يبق لله اسماً يعلمه إلا كتبه في قدح، لكل اسم قدح، حتى إذا أحصاها أوقد لها ناراً ثم جعل يقذفها فيها قدحاً قدحاً حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه، فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئاً، فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الذي كتمه، فقال: وما هو؟ قال له: كذا، قال: وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع، قال: أي ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل، فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحداً به ضر إلا قال له: يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول: نعم، فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى، حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي، حتى رفع شأنه إلى ملك نجران، فدعاه فقال له: أفسدت علي أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثلن بك، قال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران، بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك، فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر: إنك والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله تعالى فتؤمن بما آمنت به، فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي فقتلتني، قال: فوحد الله تعالى ذلك الملك وشهد بشهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله، وهلك الملك مكانه، واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث.
وحدثوا (?) أن رجلاً من أهل نجران في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته، فوجدوا عبد الله بن الثامر تحت دفن منها قاعداً واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده، فإذا أخرت يده عنها تنبعث (?) دماً، وإذا أرسلت يده ردها عليها، فأمسك دمها، وفي يده خاتم مكتوب فيه: ربي، فكتب فيه إلى عمر رضي الله عنه فكتب إليهم عمر رضي الله عنه: أن أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه، ففعلوا.
وكان الأسود بن كعب العنسي قد ادعى النبوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واتبع على ذلك، وسمعت به بنو الحارث بن كعب من أهل نجران، وهم يومئذ مسلمون، فأرسلوا إليه يدعونه أن يأتيهم في بلادهم، فجاءهم فاتبعوه وارتدوا عن الإسلام، ويقال: دخلها يوم دخلها في خمسة آلاف من حمير يدعي النبوة ويشهدون له بها، فنزل همدان فلم يتبعه من النخع ولا من جعفي أحد، وتبعه ناس من بني أسد ومذحج وعنس وأود وحكم، وأقام الأسود بنجران، ثم رأى أن صنعاء خير له من نجران فسار إليها في ستمائة راكب من بني الحارث فنزلها، فأبت الأبناء أن يصدقوه، فغلب على صنعاء واستذل الأبناء بها وقهرهم وأساء جوارهم لتكذيبهم إياه، إلى أن كان من أمره ما نذكره عند الوصول إلى ذكر صنعاء إن شاء الله تعالى.
وإلى أفعى نجران مضى أولاد معد بن عدنان وهم مضر وإياد