المغرب فوقع بمدينة مليلة هذه، فاستجاب له من بها وبأعراضها من البربر، فلما ولي الرشيد وبلغه أمره بعث إلى واضح فضرب عنقه، ودس إلى ادريس الشماخ الشامي مولى المهدي، وكتب له كتاباً إلى إبراهيم بن الأغلب، فخرج حتى وصل مليلة، وذكر أنه متطبب وأنه من شيعتهم، ودخل إلى ادريس فأنس به واطمأن به، ثم أنه شكا إليه علة في أسنانه فأعطاه سفوفاً مسموماً قاتلاً وأمره أن يستن به عند طلوع الفجر، فأخذ منه وهرب الشماخ من ليلته، فلما طلع الفجر استن ادريس وأكثر منه في فيه فسقطت أسنانه ومات من وقته، وطلب الشماخ فلم يظفر به، وقدم على إبراهيم بن الأغلب فأخبره بما كان منه، وجاءته بعد مقدمه الأخبار بموت ادريس، فكتب ابن الأغلب إلى الرشيد بذلك، فولى الشماخ بريد مصر وأجازه وأحسن إليه، وولد لإدريس من بعده ولد له من جارية له بربرية تسمى كنزة، سمي باسمه، فنشأ فيهم فعظموه، وعامة من بالمغرب من ذرية الحسن من ولده، وهم إلى الآن في تلك الناحية مالكين لها، وانقطعت عنهم البعوث.
مدينة من جزيرة القمر من جزر الهند، وملكها لا يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه إلا المخنثون يلبسون الثياب النفيسة من الحرير الصيني والعراقي، وفي يمنى كل واحد منهم سوار ذهب، وهؤلاء المخنثون يتزوجون الرجال في عوض النساء، ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم؛ وفي هذه الجزيرة الزرع والنارجيل وقصب السكر، وبهذه الجزيرة من الخشب ما لا يوجد مثله في الأرض، وأهلها بيض قليلو اللحى يشبهون الأتراك، ويزعمون أن أصلهم من الترك.
وملاي (?) أيضاً جزيرة في البحر الصنفي كبيرة ممتدة من المغرب إلى المشرق ويسمى ملكها ملك الجزر (?) ودراهمه فضة تسمى الطاطرية (?) ، وله أجناد وفيلة ومراكب كثيرة، وفيها موز ونارجيل وقصب سكر، وهي في آخر الصين.
مدينة بالهند هي دار ملك الزابج، وهو أبداً يشتغل بحرب الزنج الذين هم في حدود واق (?) لأن بلاد الزابج متصلة ببادية الزنوج الواقواقية، وعرض الباديتين مسيرة خمسة أشهر.
هي مدينة في آخر بلاد السند، وهي مجاورة لبلاد الهند، وهي نحو المنصورية في الكبر، وبعض الناس يجعلها من بلاد الهند، وبها صنم يعظمه أهل الهند ويحجون إليه من أقاصي بلدانهم ويتصدقون عليه بأموال جمة وحلي كثير وطيب تعظيماً له، وله خدام وعباد يأوون إليه وينفقون ويلبسون من ماله المتصدق به عليه، وسميت الملتان باسم الصنم، وهو على صورة الإنسان مربع على كرسي من جص وآجر، وقد ألبس جميع جسده جلداً أحمر فلا يتبين للإنسان من جسده شيء إلا عيناه، ولا يترك مكشوفاً، وعيناه جوهرتان، وعلى رأسه إكليل من ذهب مرصع، والصنم متربع وماد ذراعيه على ركبتيه، وهو معظم عندهم جداً، وبيت هذا الصنم في وسط الملتان، وبأعمر سور فيها، وهو قبة عظيمة مزخرفة قد أتقن بنيانها وشيدت عمدها ولونت صنعتها وأوثقت أبوابها، والصنم فيها، وحول القبة بيوت يسكنها خدام هذا الصنم، وليس بالسند ولا بالهند قوم يعبدون الأوثان إلا هؤلاء الذين في هذا القطر مع هذا الصنم.
والملتان مدينة كبيرة عامرة عليها حصن منيع، ولها أربعة أبواب، وبخارجها خندق، ونعمها كثيرة وأسعارها رخيصة، وإنما سميت الملتان لأن معناها فرج بيت الذهب، وكان محمد بن يوسف أخو الحجاج أصاب فيها أربعين بهاراً من الذهب، والبهار ثلثمائة وثلاثة وثلاثون مناً، وكلها في بيت، فسمي ذلك فرج الذهب، والفرج الثغر (?) ؛ وللملتان نهر صغير عليه أرحاء