الفراض قد تناول القدح، وقد ضربته الرياح والأمواج حتى وقع إلى الشاطئ برمحه فجاء به إلى العسكر، فعرفه صاحبه فأخذه وقال لصاحبه الذي كان يعاومه: ألم أقل لك؟ فيروى أن عمر رضي الله عنه بلغه ما كان قال له صاحبه أولاً، فأنكره وأرسل إليه: أنت القائل أصابه القدر فطاح، تفجع مسلماً؟ وقال الأسود بن قطبة أبو مفرز يومئذ:

يا دجل إن الله قد أشجاك ... هذي جنود الله في قراك

فالشكر للذي بنا حاباك ... ولا تروعي مسلماً أتاك وفجأ المسلمون (?) أهل فارس من هذا العبور بأمر لم يكن في حسابهم فأجهضوهم وأعجلوهم عن جمهور أموالهم، وخرجوا هراباً، واستولى المسلمون على ما كان لهم من خزائن وثياب متاع وآنية وألطاف وما لا يدرى ما قيمته، وما كانوا أعدوا للحصار من البقر والغنم وكل الأطعمة والأشربة، فدخل المسلمون المدائن واستولوا على ذلك كله، ونزل سعد القصر الأبيض، ولما عبر المسلمون دجلة جعل أهل فارس ينظرون إليهم يعبرون ويقول بعضهم لبعض بالفارسية ما تفسيره بالعربية: والله إنكم ما تقاتلون الإنس وإنما تقاتلون الجن. وما زال حماة أهل فارس يقاتلون على ماء الفراض يمنعون المسلمين من العبور، حتى ناداهم مناد: على م تقتلون أنفسكم؟ فوالله ما في المدائن من أحد، فانهزموا واقتحمتها الخيول عليهم. وانتهى سعد إلى إيوان كسرى فقرأ " كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوماً آخرين " وصلى فيه صلاة الفتح، ولا تصلى جماعة، وتصلى ثمان ركعات لا يفصل بينهن، واتخذ الإيوان مسجداً وفيه تماثيل الجص رجال وخيل، فلم يمتنع هو ولا المسلمون من الصلاة فيه لأجلها، وتركوها على حالها، وأتم سعد الصلاة يوم دخلها لأنه أراد المقام بها. وبالمدائن كانت أول جمعة جمعت بالعراق في صفر سنة ست عشرة.

ولما جمعت الغنائم (?) ، قسم سعد بين الناس فيئهم بعدما خمسه، فأصاب الفارس اثني عشر ألفاً، وكلهم كان فارساً ليس فيهم راجل وقسم دور المدائن بين الناس فأوطنوها وبعث إلى العيالات فأنزلهم فيها وأقاموا بالمدائن حتى فرغوا من جلولاء وحلوان وتكريت والموصل، ثم تحولوا إلى الكوفة بعد وكتب سعد إلى عمر رضي الله عنهما بفتح المدائن وبهرب ابن كسرى.

والمدائن خربت منذ أزمان متقدمة، وعلى مقدار نصف فرسخ منها مشهد سلمان الفارسي رضي الله عنه.

المدينة:

هو اسم غلب على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل "، وقال تعالى: " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق " وهي يثرب، قال عز وجل: " يا أهل يثرب لا مقام لكم " والدار، قال تعالى: " والذين تبوؤا الدار والإيمان "، وطيبة وطابة والعذراء وجابرة والمجبورة والمحبة والقاصمة وقد مر ذكرها في حرف الطاء.

وغلب على بلرم قاعدة مدن جزيرة صقلية اسم المدينة أيضاً، وفيها قال أبو علي بن رشيق يعنيها (?) :

أخت المدينة في اسم لا يشاركها ... فيه سواها من البلدان والتمس

وعظم الله معنى ذكرها قسماً ... قلد إذا شئت أهل العلم أو فقس

مدينة المنصور (?) :

بالعراق، بناها أبو جعفر المنصور وأضافها إلى نفسه، وهي مشرفة على دجلة، وهي بين دجلة والفرات ودجيل والصراة، وكان بنى على كل باب من أبواب المدينة مجلساً يشرف منه على ما يليه من البلاد من ذلك الوجه، وكانت أربعة أبواب، وهي: باب خراسان، وكان يسمى باب الدولة، وباب الشام، وباب الكوفة، وباب البصرة.

قالوا (?) : وبينما المنصور جالس في مجلس بهذه المدينة في أعلى باب خراسان مشرف على دجلة إذ جاء سهم عائر حتى سقط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015