الله عنهما: أنبئني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم، فكتب إليه: إن العرب غير ألوانها وخومة المدائن ودجلة، فأجابه: إن العرب لا يوافقها إلا ما يوافق إبلها من البلاد، فابعث بسلمان وحذيفة رضي الله عنهما، وكانا رائدي الجيش، فليرتادا منزلاً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، فبعث سعد حذيفة وسلمان رضي الله عنهم، فسار كل واحد منهما لا يرضى شيئاً حتى أتيا الكوفة فأكبا عليها، وفيها ديارات ثلاثة، فأعجبتهما البقعة فنزلا وصليا، ودعا كل واحد منهما: اللهم رب السموات وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما حوت، بارك لنا في هذه الكوفة، واجعله منزل ثبات. ثم رجعا إلى سعد رضي الله عنه بالخبر، وكتب عمر إلى سعد رضي الله عنهما يأمره بنزوله، فارتحل سعد رضي الله عنه بالناس من المدائن حتى عسكر بالكوفة في محرم سنة سبع عشرة.
قالوا (?) : وبصرت البصرة سنة أربع عشرة وكوفت الكوفة سنة سبع عشرة، ثم استأذنوا عمر رضي الله عنه في بنيان القصب، فقال: العسكر أجد لحربكم وأزكى لكم، وما أحب أن أخالفكم فشأنكم، فابتنى أهل المصرين بالقصب، ثم وقع الحريق بالكوفة والبصرة، وكان أشدهما حريقاً الكوفة، احترق فيها ثمانون عروساً ولم تبق فيها قصبة، فبعث سعد إلى عمر رضي الله عنهما نفراً يستأذنونه في البناء باللبن ويخبرونه عن الحريق، فأذن لهم وقال: لا يزيد أحدكم على ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة، ولا ترفعوا بنياناً فوق القدر، قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم إلى السرف ولا يخرجكم عن القصد، وأن يكون الطريق أربعين ذراعاً، وما بين ذلك عشرين، والأزقة سبع أذرع.
وأول شيء خط بالكوفة المسجد، فوضع في موضع التمارين من السوق، ثم قام رجل في وسطه رام شديد النزع، فرمى عن يمينه وعن يساره وبين يديه ومن خلفه، وأمر من شاء أن يبني وراء موقع السهام، وترك المسجد في مربعة غلوتين في غلوتين وبني على أساطين رخام كانت للأكاسرة ولم يجعلوا في المسجد مجنبات ولا مواخير، وكذلك كانت المساجد ما خلا المسجد الحرام، فكانوا لا يشبهون به المساجد تعظيماً. ثم أمر سعد رضي الله عنه الناس بالنزول، وأظن أن أكثر هذا تقدم في ذكر البصرة.
وشأن هذين المصرين أعظم وأشهر من أن نطول ذكره فلنقتصر على هذا القدر.
وذكر بعضهم (?) أن الخراب استولى على أكثرها، ومن أسباب خرابها قبيلة خفاجة المجاورين لها، لا يزالون يضربون عليها. وبناء هذه المدينة بالآجر خاصة ولا سور لها، وجامعها العتيق كبير في الجانب القبلي منها خمسة أبلطة، ولهذا الجامع آثار كريمة منها بيت إزاء المحراب يقال إنه كان مصلى الخليل عليه السلام، وعلى مقربة منه مما يلي الجانب الأيمن من القبلة محراب محلق عليه بأعواد الساج، هو محراب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي ذلك الموضع ضربه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي أخزاه الله تعالى، ويقال إن فيه موضعاً فيه فار التنور، وفيه موضع فيه كان متعبد إدريس عليه السلام، وفي شرقي هذا الجامع قبر مسلم بن عقيل.
مدينة ببلاد فارس يسرة مدينة فاختة، وهو رستاق عظيم فيه ثلثمائة وستون قرية وقروح كثيرة ومزارع، وبها منبر، ومنه إلى فاختة اثنا عشر فرسخاً، وإليها ينسب الورد الكواري، وينسب إليها القاضي أبو الحسن محمد بن إبراهيم الكواري صاحب الشيخ أبي حامد الاسفرايني، ولي قضاء الأهواز ودرس بها سنين.
مدينة مشهورة الذكر في بلاد السودان كبيرة، على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال فيمر بها، ومنه شرب أهلها ويجري حتى يجوز كوكو بأيام كثيرة، ثم يغوص في الصحراء في رمال ودهاس مثل ما يغوص الفرات الذي في العراق في البطائح، وملك كوكو قائم بنفسه، وله حشم ودخلة كبيرة وقواد وأجناد وزي كامل وحلية حسنة، وهم يركبون الخيل والجمال، ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم المحيطة بهم، ولباس عامة أهل كوكو الجلود يسترون بها عوراتهم، وتجارهم يلبسون القداوير والأكسية، وعلى رؤوسهم الكرازي، وحليهم الذهب، وخواصهم وجلتهم يلبسون الأزر، وهم يداخلون التجار ويخالطونهم ويبضعونهم بالبضائع على وجه القراض.