الحرارة، وكذلك صنع بجوفيّ جامع القرويين سقاية متقنة البناء ومياه جارية مع عتبة الباب الجوفي، وفوارة مرتفعة نصف قامة داخل الصحن، فعل كل ذلك في حدود سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وكذلك بقصبة السلطان جامع شريف معظم فيه الخطبة، أحدثها فيه خلفاء بني عبد المؤمن لأن القصبة منحازة عن البلد بسور، فوجب أن يكون فيها جامع وفي كل عدوة شريعة لخطبة العيد.
ومدينة فاس كثيرة الخصب والرخاء كثيرة البساتين والمزدرعات والفواكه وجميع الثمار، ولها أنظار واسعة متصلة العمائر، وعدوة القرويين من هذه المدينة أكثر بساتين وأشجاراً ومياهاً وعيوناً (?) من عدوة الأندلسيين، وكلاهما خصيبة عظيمة القدر، ويقال إن رجال عدوة الأندلس أشجع وأنجد من رجال عدوة القرويين ونساؤهم أجمل من نساء القرويين، ورجال القرويين أجمل من رجال الأندلسيين، ويقال أن بعدوة الأندلسيين تفاحاً حلواً (?) يعرف بالاطرابلسي جليل حسن الطعم والرائحة، يصلح بها ولا يصلح بعدوة القرويين، وكذلك بعدوة القرويين أترج جليل يجود بها ولا يجود بعدوة الأندلسيين، وكذلك سميد عدوة الأندلسيين أطيب من سميد عدوة القرويين، وهذه المدينة قصبة (?) بلاد المغرب، وكملت بهجتها في أيام بني عبد المؤمن، ومنها يتجهز إلى بلاد السودان وإلى بلاد المشرق، ومنها يحمل النحاس الأصفر إلى جميع الآفاق.
وموقع (?) وادي فاس بوادي سبو على نحو ثلاثة أميال من المدينة، ووادي سبو هذا نهر عظيم من أعظم أنهار بلاد المغرب منبعه من جبل بني وارتين ورأس العين في شعراء (?) غامضة يهاب الداخل الدخول فيها، وهي دهسة عظيمة لا يدرك لها قعر، وللبربر المجاورين لذلك الموضع فيها تجارب، منها أن المريض إذا أرادوا أن يعلموا هل يعيش أو يموت حملوه لرأس العين فيغطسونه في ذلك الموضع المهول حتى يقرب أن يهلك ثم يخرجونه، فإذا خرج على فيه دم استبشروا بحياته وإلا أيقنوا بهلاكه وهذا عندهم متعارف لا ينكر. ويتصيّد في هذا الوادي الشابل الكثير ويطلع إلى رأس العين أو قريب منه، ويدخل في ذلك الوادي الحوت الكثير.
وبين فاس وتلمسان عشرة أيام في عمائر متصلة، وكانت فاس دار مملكة بني ادريس العلويين وملكوا منها بلاد المغرب كلها إلى أقصى بلاد السوس طاعة في معصية، وكانت في أيامهم دولة برغواطة الذين تدينوا بديانة القدري صالح بن طريف البرغواطي، وملك العلويون بعض بلاد الأندلس، وتسمّوا بأمراء المؤمنين، وخطب لهم بالإمامة.
ومن فاس أبو عمران الفاسي الفقيه الإمام المشهور بالعلْم والصلاح وهو أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حجاج الغفجومي الفاسي (?) ، توفي بالقيروان في الثالث عشر من شهر رمضان سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وقال أبو عمر بن عبد البر: وُلِدْتُ مع أبي عمران في سنة واحدة، سنة ثمان وستين وثلثمائة.
هو من الجبال المشهورة في بلاد المغرب، وهو جبل كبير تسكنه أمم كثيرة من البربر، يطردهم الثلج عنه فينزلون إلى ريف البحر الغربي، وهم يكسبون من البقر والغنم والخيل، وخيل هذا الجبل من أعتق الخيول لصبرها وخدمتها، وهي مدورة القدود حسنة الخلق والأخلاق، ولحوم غنمه أطيب اللحوم، وفي هذا الجبل أنواع النبات من العقاقير التي تنصرف في العلاجات الرفيعة، وفيه خشب الأرز العتيق الغالي، وهو مأوى القردة، وهي تثب من أرْزة إلى أخرْى في الجو الأعلى، وفي هذا الجبل قلعة تنسب للمهدي بن توالا في نهاية المنعة، أقام عليها عسكر الملثمين سبعة أعوام وبناؤها بالألواح، وإليها كان تغريب المعتمد محمد بن عباد فقال متمثلاً: غرّبنا (?) بنقض العهود، لبلد أهله يهود، وبناؤه عود، وجيرانه قرود. وكان اليهود في ذلك التاريخ أكثر سكانه لأنهم سوقة فيلجؤون إلى الحصن تحوطاً على سلعهم.
بالأَندلس، بينه وبين قُرْطُبة مرحلتان أو ثلاث، ومن هذا الفحص جبل البرانس، وفيه معدن الزئبق ومن هناك يُحْمل إلى الآفاق، وبهذا الجبل الزيتون المتناهي في الجودة،