يزيد بن عبد الملك، وحشدت له الأزد أحلافها، وانحدر إليه أهله وخاصته، وعظم أمره واشتدت شوكته، فبعث إليه يزيد أخاه مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك في جيش عظيم، فلما شارفاه رأى يزيد بن المهلب في عسكره اضطراباً فقال: ما هذا الاضطراب أن قيل جاء مسلمة والعباس؟! فوالله ما مسلمة إلا جرادة صفراء، وما العباس إلا نسطوس بن نسطوس، وما أهل الشام إلا طغام قد حشدوا ما بين فلاح وزراع ودباغ وسفلة، فأعيروني (?) أكفكم ساعة تصفعون بها خراطيمهم، فما هي إلا روحة أو غدوة حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الظالمين، علي بفرسي، قال: فأتي بفرس أبلق، فركب غير مسلح، فالتقى الجيشان فاقتتلوا قتالاً شديداً، وولى أكثر أصحاب يزيد عنه، فقتل يزيد في المعركة وصبر إخوته أنفسهم فقتلوا جميعاً، وفي ذلك يقول الشاعر:

كل القبائل بايعوك على التي ... تدعو إليها طائعين وساروا

حتى إذا حضر الوغى وجعلتهم ... نصب الأسنة أسلموك وطاروا

إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... (?) عاراً عليك وبعض قتل عار فلما ورد الخبر على يزيد بن عبد الملك بذلك استبشر، وتكلف الشعراء له بهجو آل المهلب فأكثر، وبعث يزيد هلال بن أحوز المازني في طلب آل المهلب، وأمره ألا يلقى منهم من بلغ الحلم إلا ضرب عنقه، فاتبعهم حتى أتى قندابيل من أرض السند، وأتي هلال بغلامين من آل المهلب فقال لأحدهما: أدركت؟ قال: نعم، ومدَّ عنقه، فكأن الآخر أشفق عليه فعض شفتيه، أي لا تظهر جزعاً، فضرب عنقه، وأْثخن هناك القتل في آل المهلب حتى كاد يفنيهم، فذكر أن آل المهلب مكثوا بعد إيقاع هلال بهم عشرين سنة، يولد فيهم الذكور ولا يموت منهم أحد.

وقتل مع يزيد أخواه حبيب ومحمد ابنا المهلب، وكان يزيد جواداً شجاعاً بليغاً فصيحاً.

عقرباء:

موضع بناحية اليمامة فيه نزل خالد بن الوليد رضي الله عنه والمسلمون حين لقوا مُسَيْلَمة الكذّاب وجمعه.

قالوا: لما أشرف خالد بن الوليد رضي الله عنه وأجمع أن ينزل بعقرباء قدم الطلائع أمامه، فرجعوا إليه فأخبروه أن مُسيلمة ومَن معه قد خرجوا فنزلوا عقرباء، وضرب عسكره، وقد قيل إن خالداً رضي الله عنه هو الذي سبق إلى عقرباء فضرب عسكره ثم جاء مسيلمة فضرب عسكره، ويقال توافيا إليها جميعاً. فلما فرغ خالد رضي الله عنه من ضرب عسكره وحنيفة تسوّي صفوفها نهض خالد رضي الله عنه إلى صفوفه فصفّها وقدّم رايته مع زيد بن الخطّاب رضي الله عنه ودفع راية الأنصار إلى ثابت بن قيس بن شماس، فتقدم بها، وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عُيينة بن ربيعة، وعلى ميسرته شجاع بن وهب، واستعمل على الخيل البراء بن مالك، ثم عزله واستعمل أسامة بن زيد، وأقبلت بنو حنيفة قد سلّتِ السيوف، فلم تزل مسللة وهم يسيرون نهاراً طويلاً، فقال خالد: يا معشر المسلمين، أبشروا فقد كفاكم الله عدوّكم، فما سلّوا السيوف من بعيد إلا ليرهبونا، وإن هذا منهم لجُبن وفشل، فقال له مجاعة (?) ، وكان أسيراً عنده: كلا والله يا أبا سليمان، ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها، وهي غداة باردة فأبرزوها للشمس لأن تسخن متونها. فلما دنوا من المسلمين نادوا: إنا نعتذر من سلّنا سيوفنا، والله ما سلَلْناها ترهيباً لكم ولا جُبناً عنكم، ولكنها كانت الهندوانية، وكانت غداة باردة فخشينا تحطمها فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم فسترون، قال: فاقتتلوا قتالاً شديداً وتصبر الفريقان جميعاً صبراً طويلاً حتى كثرت القتلى والجراح في الفريقين، واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا إلا قليلاً، وهزم كِلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين، والمشركون عسكر المسلمين مراراً، وحملت حنيفة أول مرة وخالد على سريره حتى خلص إليه، فجرد سيفه وجعل يسوق حنيفة سوقاً حتى ردَّهم وقتل منهم قتلى كثيرة، ثم كرَّتْ حنيفة حتى انتهوا إلى فسطاط خالد رضي الله عنه فجعلوا يضربون الفسطاط بالسيوف، ولما دخلوا الفسطاط أراد من حمل منهم قتل أم متمم امرأة خالد،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015