فهل لك في أن نشرب فيها من وقتنا ونخفف بها الهم عن قلوبنا. فقلت: من أعظم الميل، والمكان في غاية الحسن، فعلى اسم الله فاشرب، فشرب رطلاً وسقاني مثله، ثم قال: ما ترى في الغناء على ما نحن فيه؟ قلت: ما نستغني عنه، فدعا بجارية متقدمة يقال لها ضعفاء، فتطيرت من اسمها، فحضرت فقال: غني، فغنت بشعر النابغة الجعدي:

كليب لعمري كان أكثر ناصراً ... وأيسر جرماً منك ضرج بالدم فنظر إلي واشتد عليه وعلي، إلا أني لم أره ذلك، فقال لها: غني غير هذا، فغنت:

أبكى فراقهم عيني وأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء

ما زال يعدو عليهم صرف دهرهم ... حتى تفانوا وصرف الدهر عداء فصاح عليها: لعنك الله، أما تعرفين من الغناء غير هذا؟ فقالت: ما تغنيت إلا ما عهدتك تحبه، ثم غنت:

أما ورب السكون والحرك ... إن المنايا كثيرة الشرك

ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في فلك

إلا بنقل السلطان من ملك ... قد انقضى ملكه إلى ملك

وملك ذي العرش دائم أبداً ... ليس بفان ولا بمشترك فصاح بها: قومي، غضب الله عليك ولعنك، فقامت مذعورة وعثرت بقدح بلور حسن الصنعة جداً كان يختصه ويسميه: رب رباح، كان موضوعاً إلى ناحيته، فكسرته، فزاد عليه الأمر وقال: أما ترى يا عم ما قد منيت به الليلة؟ ما أرى السرور إلا قد قوض والأمر قد اقترب، فقلت: إنما هو اتفاق وقع، والله يطيل عمرك ويكبت عدوك، فسمعنا قائلاً يقول من الشط:

قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فوثب عن المجلس وقال: أما سمعت يا إبراهيم؟ فقلت: ما سعت شيئاً، وقد كنت سمعت، فقال: ما بعد الفأل دليل، فما عدت إلى المجالسة بعد ذلك، وقتل محمد بعد أيام.

صطفورة (?) :

بإفريقية، وهو عمل بنزرت.

فم الصلح (?) :

بكسر الصاد، نهر ميسان من أعمال واسط، وفي " مختصر العين " (?) الصلح: نهر ميسان.

قالوا: والصلح منزل القرن المبارك، والمبارك هو نهر خالد بن عبد الله القسري، وهو الذي أعرس بفمه المأمون إذ بنى على بوران بنت الحسن بن سهل وزيره (?) ، وهو من أرض السواد، ووصل الحسن بن سهل أباها بعشرة آلاف ألف درهم وأقطعه الصلح، فلما أن انصرف خرج مشيعاً، فقال له: يا أبا محمد سل حاجتك، فقال له: أسألك يا أمير المؤمنين أن تحفظ لي من قلبك ما لا أستطيع حفظه إلا بك، فتبسم المأمون ثم قال: شهدت جعفر بن يحيى وقد ودع الرشيد فقال: سل حاجتك يا أبا الفضل، فقال: تجعل بيني وبينك بيت كثير حيث يقول (?) :

وكوني على الواشين لداء شغبة ... كما أنا للواشي ألد شغوب وهذه الحاجة ما قدر أن تقضى. وكان المأمون خرج إلى البناء ببوران فعسكر بفم الصلح، فدخل بها في عقب رمضان، واسمها خديجة، وعاد إلى بغداد لست مضين من شوال، وكانت نفقة الحسن عليها عظيمة جداً، قال الحسن بن رجاء: كنا نجري على الملاحين مدة الأيام التي كان المأمون مقيماً فيها بفم الصلح، فكانوا ستة وثلاثين ألف ملاح، ولقد عز الحطب يوماً على عظم مقدار ما استعد منه مما أعد حولاً كريتاً فجعلنا نوقد تحت القدور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015