وشبام حصن منيع جامع آهل في قنة جبل شبام، وهو جبل منيع جداً لا يرتقى إلى أعلاه إلا بعد جهد، وفي أعلاه قرى كثيرة عامرة ومزارع ومياه جارية وغلات.
ولما وقع الزلزال باليمن سنة إحدى عشرة ومائتين، انهدمت شبام جميعاً إلا دار إبراهيم بن الصباح، وكان كثير الصدقة، فيقال إن ذلك من قبل الصدقة.
شبرو:
موضع على مقربة من تبسة من البلاد الإفريقية، به كانت وقيعة للشيخ أبي محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص ملك إفريقية على يحيى بن إسحاق المسوفي الميورقي في آخر ذي القعدة من سنة أربع وستمائة، وذلك أن صاحب المغرب محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الملقب بالناصر لما طلع إلى مراكشه من حركة إفريقية، وقد طرد عنها يحيى بن إسحاق هذا، قدم على البلاد هذا الشيخ أبا محمد عبد الواحد وعلم أنه لا يسد ثغرها سواه، فبقي عبد الواحد يصلح أمر إفريقية ويذب عنها ويحيى بن إسحاق منزو عنه في أطراف إفريقية، فلما علم بانفصال الخليفة عنها طمع في العود إليها، فكاتب القبائل واستنفر الأعراب ووعدهم ومناهم، فاجتمعت له جموع كثيرة فبسطوا أيديهم في الأطراف، وعاثوا في البلاد، وبلغ ذلك صاحب إفريقية فخرج من تونس بأجناده وموحديه فنزل المحمدية، وكاتب من أطاعه من العرب، وجد به السير حتى وصل أحواز تبسة، ولم يصله من العرب إلا القليل، وعلم يحيى بن إسحاق بإقباله، فزحف إليه بجموعه، فالتقى الجمعان بشبرو ووقع بينهم قتال كثير، وحمل يحيى على قلب عسكر الموحدين فخلي له، وفي رجوعه طعنه رجل من عبيد المخزن بالرمح في فخذه، فأنفذ الرمح إلى بداد السرج، وكاد يسقط، فجاءوا أصحابه وخلصوه، وحملت أيضاً ميمنته على ميسرة الموحدين فأزالوها نحو العشرة أميال وكاد الخلل يظهر، ولما رجع يحيى بن إسحاق مطعوناً حملت ميسرة الموحدين على جمع الميورقي فهزموهم نحو العشرين ميلاً، وكان الشيخ أبو محمد عبد الواحد في القلب فحمل بأصحابه على من يليهم فتمت عليهم الهزيمة، ووقع في الموارقة القتل والنهب، وكان ذلك سبب الفتح بعد أن أتى القتل على جملة من أصحاب يحيى، وانساب يحيى في جملة من أصحابه طريداً جريحاً على إكاف لا يلوي على شيء، ورجع الشيخ أبو محمد مظفراً غانماً، وكانت الهزيمة من أول الزوال إلى غروب الشمس وحال بينهم الليل، وفقد من جموع الموارقة نحو الخمسمائة وأخذت لهم نحو مائة وخمسين فرساً ونحو ألفي جمل بحمولتها.
الشحر:
بكسر أوله وإسكان الحاء المهملة، هو شحر عمان، وهو ساحل اليمن، وهو ممتد بينها وبين عمان.
وأرض الشحر متصلة بأرض حضرموت، وفيها قبائل مهرة، وهي دار عاد الأولى، الذين أرسل الله تعالى إليهم نبيهم هوداً عليه السلام، وكانوا ثلاث عشرة قبيلة، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكان الملك بعد نوح عليه السلام تأثل في عاد الأولى قبل سائر الممالك، وذلك قوله تعالى: " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله " قيل: كانوا في هيئة النخل طولاً، وكانوا في القوة واتصال الأعمار بحسب ذلك، وآثارهم بالشحر ومواضع مساكنهم تدل على عظم أجسامهم، وكان عاد جباراً بعيد العمر، وتزوج ألف امرأة، ورأى من صلبه أربعة آلاف ولد، وعاش ألف سنة ومائتي سنة، وابنه شداد هو الذي بنى إرم ذات العماد، وهذه عاد الثانية، إذ قال تعالى في الأولى: " أهلك عاداً الأولى "، وقال في هذه الثانية: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد "، وبلاد عاد: الشحر وحضرموت والأحقاف، فلما سخط الله تعالى عليهم جعلها مفاوز، وكانت أخصب البلاد.