وفر اليسع، فقتله جمع من رعيته لحقد كانوا يجدونه له، ووصل الداعي إلى عبيد الله فاستخرجه من سجنه وكسر كبله بيده وأركبه بغلته وكساه برنسه، وقال لهم: هذا مولاي الإمام ومولاكم، ثم استخرج ولده أبا القاسم من السجن وأركبه بغلة أخيه أبي العباس، وقال لأهل سجلماسة: لا يحل لكم أن تستوطنوا بلداً امتحن فيه الإمام، ففزعوا منه فخرجوا، فلما خرجوا أمر بسلبهم، ففتشوا كلهم رجالاً ونساء وأخذ أموالهم وصرفهم، وقيل: إنه تحصل له من التبر والحلي وقر عشرين جملاً أدخلها رقادة، وبايع بها لعبيد الله، وأدخله القيروان وبنى له المهدية، فكان عبيد الله يتساكر ويقتل جواريه ويرمي بهن خارج القصر، وأظهر مذهبه الذي يزعم الشيعة أنه مذهب أهل البيت، فأنكر كتامة ذلك واجتمعوا مع الداعي وأخيه أبي العباس: فقال لهم الداعي: إن الدعاء لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب، والإمام المهدي حق والزمن مجهول عندي، وكنت ارتبت في والد عبيد الله فكيف لا أرتاب فيه (?) ، فسيروا إليه وقولوا له: إن أبا عبد الله وأبا العباس أخاه قد شكا في هذا الخاتم الذي ذكرت أنه بين كتفيك فأره لنا، فإن لم تعاينوه فشأنكم به، فلما صاروا إليه وقالوا تلك المقالة، قال لهم: ألم يعلماكم أنهما أيقنا به؟ قالوا: نعم، فقال: الشك لا يزيل اليقين، ثم التفت إلى صاحب شرطته، فقال له: يا عروبة (?) ايتني برأسيهما، فمضى إليهما متنكراً، فقال له أبو عبد الله: ما الذي أتى بك يا عروبة؟ فقال: إن الذي أمرتني بطاعته أمرني بقتلك، فقتلهما وأتاه في الحين برأسيهما، فحضره أشياخ كتامة وأمر بالكتب إلى الأمصار أن أبا عبد الله أحدث حدثاً فطهرناه بالسيف ولم تمنعنا رعاية الحق له من إقامة الحق عليه، وتمهد أمر عبيد الله الشيعي.

وقد أكثر الناس من الاختلاف في دعوة عبيد الله، قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب: إنه عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح، وقال الصولي: والده عبد الله بن سالم بن عبدان الباهلي، وجده سالم صلبه المهدي العباسي على الزندقة على ما قاله الذين فحصوا عن أمره، وأثبت آخرون نسبه ومات عبيد الله بالمهدية سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، وولي ولده أبو القاسم فأظهر مذهب أهل البيت نسبة إلى جعفر بن محمد الصادق وإلى علي رضي الله عنهما: منه توريث البنت إذا انفردت جميع المال، وأسقط الرجم على الزاني المحصن، والمسح على الخفين، وقول المؤذن: الصلاة خير من النوم، ونادى في الصبح: حي على خير العمل، والصوم بالعلامة والفطر بها لا بالرؤية، وأحل المطلقة ثلاثاً، وأسقط أيمان الحرج، ولا يقيم الحد على المحدود إلا أبواه أو جده أو قريبه، وأمرهم بجهاد من خالف مذهبهم. وقام عليه أو على ابنه إسماعيل المنصور أبو يزيد مخلد بن كيداد النكار وكان على مذهب الصفرية في سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة فكانت له فتنة عظيمة، وكان يعمل أكواماً من رؤوس المسلمين رعية الشيعة ويأمر المؤذنين فيؤذنون عليها، وواقف أبا القاسم الشيعي وهزمه وهرب أمامه إلى المهدية واتبعه أبو يزيد حتى ركز رمحه في الباب، فقال أبو القاسم: لا يعود إليه أبداً، وأمر بالركوب والخروج إليه، وأعطى الجند العطاء الجزيل، فخرجوا يريدون أبا يزيد، ودارت الحرب بينهم، وأثخن أبو يزيد بالجراح، وقبض عليه حياً فأدخل المهدية في قفص حديد وصلب على باب المهدية الذي طعن فيه برمحه، وكان ذلك على يد ابنه إسماعيل المنصور بن أبي القاسم، ودانت للشيعي بلاد المغرب كلها وإفريقية.

السحاب (?) :

جزيرة من جزر الهند، سميت بذلك لأنه ربما طلع من ناحيتها سحاب أبيض يضل المراكب، فيخرج منها لسان رقيق طويل مع الريح العاصفة حتى يلتصق ذلك اللسان بماء البحر، فيعلو (?) له ماء البحر ويضطرب مثل الزوبعة الهائلة، فإذا أدركت المركب ابتلعته، ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطراً. وفي هذه الجزيرة تلول إذا مستها النار عادت فضة خالصة، وفيما يليها من جزائر الواق واق مواضع مقطوعة بالجزائر والجبال فلا يصل السالك إليها لامتناع بلادها وصعوبة مسالكها، وسكانها مجوس لا يعرفون ديناً ولا اتصلت بهم شريعة، ونساؤهم يكشفن رؤوسهن ويجعلن فيها الأمشاط المتخذة من العاج مكللة بالصدف، وربما كان في رأس المرأة منهن عشرون مشطاً وغير ذلك، وهم متحصنون بجبالهم لا يصلون إلى أحد ولا يتصل بهم أحد، ولكنهم يشرفون على البحر ويتطلعون إلى المراكب، وربما تكلموا معهم بكلام لا يفهم منهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015